[عظيم خزيهم بسبب أعمالهم]
قال تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:٧٩ - ٨٠] الرسل تكتب ذنوبك وأنت تعمل في الذنوب، والملائكة تحول ذنوبك إلى قبرك، وأنت غافل، فمن الناس من يحول ذهباً، ومنهم من يحول بعراً، ومنهم من يحول جمراً، والله لا يظلمك بشيء، فما تعمله تجده {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:٣٠] لا تريد أن تنظر إليه، وهذه الحوالات تجمع وتخزن في القبر فإذا مات الإنسان رأى حوالاته، يقول أحد السلف: لا تحول إلا شيئاً يسرك رؤيته، لا تحول زناً، ولا غناء، ولا زوراً، ولا فجوراً، ولا حراماً، وحول عملاً صالحاً حتى إذا رأيته فرحت.
مثله مثل الطالب -مع الفارق في القياس- الذي يجتهد في أيام الامتحان ويصبر على المنام، بل بعضهم يترك حتى الطعام، ويعكف على قراءة الكتب في الليل والنهار، فإذا به يفرح عندما تقدم له الشهادة فيقرأ أول مادة: القرآن الكريم (١٠٠%) التوحيد (١٠٠%) وكلما قرأ مادة ونظر علامتها استبشر وفرح، فإذا انتهى منها كلها قال: تفضلوا، انظروا الشهادة، إنها تبيض الوجه، فيرفع رأسه، ويأكل طعامه، ويلتذ في منامه، ويرتاح في عطلته، وكلٌ يجله ويبجله.
لكن البليد المهمل الذي عاش على الرفض للكتب، وعدم المذاكرة، واللعب والفوضى، إذا جاءت الشهادة يرفع رأسه ويريد شهادة بالكذب، ويأتي مع الناس ويقول: ربما تخطئ اللجنة، ربما ترحمني لجنة الرحمة، فإذا أخذ الشهادة ونظر فيها، وإذا بها تسود الوجه -والعياذ بالله- القرآن الكريم (٢٠)، والتوحيد (١٥%)، والإنجليزي ثلاثة أصفار متتالية؛ لأنه ما نجح في اللغة العربية فكيف ينجح في اللغة الإنجليزية؟ فإذا أخذ الشهادة مزقها وذهب إلى البيت، قالوا له: طلعت النتائج؟ قال: لا.
ما زال التصحيح جار.
يرسل ليحضر النتيجة، ثم أعلنوها قبل أن آتي فما سمعتها، لكن: اسمي سمع، يمهد يريد أن ينزل الخبر بالتقسيط، لا يريد أن يقول لهم بصراحة، يريد أن يقول لهم الخبر بالتدريج، ثم يقول: غداً أذهب، وفي اليوم الثاني ذهب ورجع -وهو يعرف النتيجة- يقول: أبشركم! سلامات الحمد لله سلامات لم أرسب إلا في ثلاث مواد -وهو راسب في ثلاثة عشر مادة- ثلاث مواد فقط، وغيري كلهم ساقطين، أما أنا فليست إلا ثلاث، وإن شاء الله في الدور الثاني أنجح.
هذا الفاشل في الدنيا مع أنه يوجد دور ثاني وسنة ثانية ومخرج من كل الدراسة، لكن الآخرة لا دور ثاني ولا سنة ثانية ولا فرصة أخيرة! وإنما من ضيعها وجازف بها وخاطر؛ خسر الدنيا والآخرة.
فالمؤمن يوم القيامة يأخذ كتابه بيمينه، والفاجر يوم القيامة يأخذ كتابه بشماله ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٥ - ٢٩] فأنت تحول العمل إلى القبر، وعلى ضوء العمل تحاسب، والناظم يقول:
يا من بدنياه اشتغل وغره طول الأمل
وقد سها في غمرة حتى دنا منه الأجل
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
ألست على يقين أنك ستسكن القبر؟! ثم ألست على يقين أنك ستعامل في قبرك على ضوء ما حولت من عمل، أم تريد أن تخدع نفسك؟! أتريد أن تجني من الشوك العسل؟! أتريد أن تحصل على جنة بالبعر؟! أتريد أن تنجو من النار بالعمل السيئ؟! هذا محال.
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:٤٦].