[العقل ميزان المصالح والمفاسد]
إن العقل يسميه العلماء: المستشار الثاني للقلب، ومقاييس هذا المستشار غير مقاييس النفس، النفس مقاييسها الشهوات، والعقل مقاييسه المصالح والمفاسد والآثار والنتائج، والمقدمات والضروريات، لكن قد يقول العقل شيئاً للقلب ويرفضه القلب بناءً على سيطرة النفس.
الآن أعطيكم مثالاً: كثير من الأشياء ندرك بعقولنا ضررها، ومع هذا نقع فيها، أنا أسأل الذي يركِّب الصحن المستقبل فوق بيته، أسأله بالله، ألا يدرك أن فيه ضرراً على دينه، وعقيدته، وأخلاقه، وأخلاق زوجته، وأخلاق ولده وأسرته؟ يقول: نعم.
فيه ضرر.
حسناً لماذا تأتي بالضرر إلى بيتك؟ يقول: والله الأولاد أزعجوني، والمرأة رفضت، كل يوم وهي عند الناس، أنا آتي لها بهذا من أجل أن أتخلص منها ومن شرها.
إذاً فإن سيطرة النفس، وشهوة الزوجة، وشهوة الولد، أقوى من رأي العقل، رفض العقل وأتى بالصحن المستقبل وأمطر بيته وزوجته بكل ما يسخط الله ويغضبه، وخان الأمانة التي بينه وبين الله، أولادك أمانة وزوجتك أمانة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:٢٧] إنها أمانة قال الله لك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:٦] وأنت لم تقهم النار، بل اشتريت لهم النار، وأمطرت عليهم النار من فوق، العقل يقول: فيه ضرر، لكن النفس تقول: لا يا شيخ! الناس كلهم وضعوه على بيوتهم، انظر إلى الأخبار، ماذا يهمك من الأخبار؟ وزير الخارجية أنت؟ تريد الأخبار تنتقل من إذاعة إلى إذاعة، إن هذا يجعلك تنظر إلى المسلسلات، ويجعل أولادك يتعلمون منه الأخلاق السيئة، ويصبح قدوة أولادك، من يصبح شيخاً لأولادك؟ الممثلون والممثلات، تصبح ثقافة ولدك أو ابنتك: هل تعرف الممثل الفلاني، والمطرب الفلاني، والمغني الفلاني، واللاعب الفلاني؟ ولا يعرفون من الصحابة أحداً، ولا من الصالحين أحداً، ولا يعرفون من العلماء أحداً، إنما همومهم وتعلقاتهم وآمالهم وثقافتهم هذه الأشياء الضحلة، ويترتب على هذا جيل ضائع ضال لا يعرف الله حق المعرفة، كما هو حال أجيال الكفار -والعياذ بالله-.
أيها الإخوة! هذه الشرور هي زبالة أفكار الكفار، والقنوات تجلب عليك كل ما عند الكفار، وتركبه وتضع أموالاً فيه، وعقلك يقول لك: إن هذا ليس طيباً، لكن شهوة النفس تطغى على رغبة العقل.
مثال ثانٍ: التدخين: المدخن الآن يعرف أن الدخان ضار، ويقرأ على العلبة: التدخين يضر بصحتك، فننصحك بالامتناع منه، ومع هذا تجده يدخن.
العقل يقول لك: إنه ضار، والنفس تقول: يا شيخ! دخن وسوف تنجلي همومك، يا رجل! أنت عندك هموم ومشاكل، وإذا دخنت فإنك ترى الدنيا كلها، فرفض أمر العقل، واستجاب لشهوة النفس؛ لضعف عقله ولقوة سيطرة نفسه.
التدخين يضر بإجماع الناس، حتى الشركة تكتب عليه أنه مضر، كل شركة تصنع أي صنعة فإنها ترسل دعاية للصنعة التي تقوم بصناعتها إلا الدخان فإنهم أرسلوا دعاية ضد الصنعة، وكل طعام عليه تاريخ صلاحية ابتداء وانتهاء، إلا الدخان تجده منتهياً من يوم أن قاموا بصنعه، ليس له تاريخ صلاحية، ومع هذا لا أحد يسأل عن هذا، لو اشتريت علبة لبن بأربعة ريالات، ولقيت عليها تاريخ الصلاحية منتهياً، تأخذها أم تذهب فتشتكي وتمسك صاحب اللبن وتصيح عليه: كيف تبيع هذا الشيء وهو منتهي الصلاحية؟ هذه انتهت صلاحيتها في ٣٠/ ١٢ واليوم نحن في شهر ٢ وأنت تبيعها، وتأخذ اسمه وتبلغ البلدية، لكن عندما تشتري الدخان وقد انتهت صلاحيته في بلده، من يوم أن صنعوه، قالوا: هذا يضرك، لكن لا.
سأدخن، لماذا؟ لأن العقل مرفوض الأمر، بينما النفس الأمارة بالسوء هي الآمرة، أمرت بشهوة الدخان، فنفذها الإنسان لضعف عقله، ولمرض قلبه.
ويقول العلماء: إن النفس إذا قويت مرض القلب، إذاً هي عملية موازنة، إذا سلم القلب وتقوى، ضعفت النفس، وإذا قويت النفس وسيطرت، ضعف القلب، ويبقى العقل يأتي بأفكار لكن لا أحد يطيعه، يأتي بآراء لكن لا أحد ينفذ آراءه.
إذاً العقل هذا كيف نجعل آراءه سليمة؟ قالوا: ينور بنور الدين، والقرآن، ويتعلم العقل الأنوار من كتاب الله، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويهتدي بالتفكير وبالتأمل وبالنظر في الآيات الكونية، وفي الآيات القرآنية، إلى أن يصدِّر آراء صالحة مع إصلاح النفس، فتجتمع آراء النفس مع آراء العقل إلى القلب فيصلح القلب، هذا هو الجزء الرابع.