[سبيل النجاة في الدنيا والآخرة]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولاً: أشكر رئيس نادي الوديعة وهيئة الإدارة على إتاحة هذه الفرصة المباركة؛ لنلتقي في هذه الليلة المباركة في سمر إيماني رمضاني نصل فيه عبادة الصيام بعبادة التراويح والقيام، بعبادة السمر الإيماني في روضة من رياض الجنة تحفنا فيها الملائكة، وتغشانا الرحمة، وتنزل علينا السكينة، ويذكرنا الله عز وجل فيمن عنده؛ لأن التكامل في حياة المسلم مطلوب، وهو يعيش في هذا الشهر العظيم حياة روحية عظيمة يقضي يومه في الصيام، ثم يقضي جزءاً من ليله في التراويح والصلاة والقيام، وهو أيضاً مطالبٌ بأن يقضي سمراً مفيداً نافعاً له في دينه ودنياه، فجزى الله الإخوة القائمين على أمر النادي خيراً.
وفي الحقيقة هذا هو الوضع الطبيعي للأندية، وهذه هي الوظيفة الرئيسية لرعاية الشباب؛ لأن النادي مركز تربوي يهتم برعاية الشباب اهتماماً متكاملاً في جميع مناحي الحياة، لا يغلب جانباً على جانب، يهتم بأرواح الشباب وبعقائدهم وبدينهم وبإيمانهم وبثقافتهم، كما يهتم بأجسادهم وأجسامهم، والناس يفهمون رسالة الأندية فهماً خاطئاً، ولذا يقصرونها في الجانب المادي، وأن النادي فقط مركز لتربية الأجساد، ولا يظنون أن من واجبه أيضاً حماية الأرواح؛ لأن الجسم لا قيمة له إلا في ظل صلاح الروح.
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ
الروح راكب، والجسد مركوب، والإكرام دائماً للراكب، فإذا أكرمت المركوبة وأهين الراكب كان هذا قلباً للحقائق، فلو كنت ضيفاً وجئت إلى مضيفك كان الناس في الماضي على الحمير والجمال والبغال، فمن إكرام الضيف: إكرام دابته، لكن إكرام الضيف بما يليق به، وإكرام الدابة بما يليق بها، لكن ما ظنكم لو أن ضيفاً أتى على دابته إلى مضيفه فأدخل الدابة في المجلس، وأخذ بيدك وأدخلك في الصالة وربطك برجلك ووضع لك علفاً، وأخذ الحمار وأدخله المجلس وأعطاه الرز واللحم، هل هذا عرف حقيقة الأمر؟ ولو ادعى وقال: يا أخي! أنا أكرمك، تقول: صحيح أنت تكرمني لكن لا تعطيه كرامتي، أكرمه بما يليق به، وأكرمني بما يليق بي.
وكذلك هذا البدن مركوب، والراكب الروح، فإذا أكرمنا ونعمنا وريضنا وعالجنا وحفظنا الجسد، ثم أهملنا الروح، بل ليتنا أهملناها فقط، وإنما سممناها، وقتلناها ونحرناها وعذبناها، عاش الإنسان في قلب للموازين، يعيش في عذاب بروحه مهما تنعم جسده، وهاهي البشرية تعيش هذا العذاب، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢٤] وإن سكن العمارات، وامتطى أحدث الموديلات، وتزوج أجمل الزوجات، وامتلك ملايين الريالات؛ لأنه إنما يرفه بهذه الإمكانيات عن كائنه الجسدي، أما كائنه الروحي وهو أهم شيء في عنصريه فلن يجد سعادة إلا في ظل الدين والإيمان الذي إذا فقده فقد السعادة.
وها هي البشرية اليوم تفقد سعادتها وهي تعيش في أوج قمتها المادية، حطمت المادة وسخرتها وفجرتها، واستخدمتها أعظم استخدام، وحققت من الإعجاز والإنجاز العلمي ما يبهر العقول، ولكن على حساب الروح، المادة في تطور والروح في تأخر، فماذا حققت؟ حققت الشقاء والعذاب، وها هم في أوروبا وأمريكا والدول المتطورة يعيشون حياة القلق، حتى يقول علماؤهم ومفكريهم بأنهم لا ينامون إلا بفعل الحبوب المخدرة، لا يوجد نوم، قلق مستمر وعذاب، وهذا وعد الله عز وجل حين يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤].
فبناء الشباب في الجزئيتين المتكاملتين: بناء روحه عن طريق الثقافة الإسلامية، والمحاضرات الإيمانية، وإقامة الشعائر الدينية، هذا مطلوب في النادي كمركز تربوي، إلى جانب حماية جسده عن طريق الألعاب الرياضية التي لا تتعارض مع مبدئها الأصلي الذي هو عقيدته ودينه وإسلامه، هذا هو واجب الأندية، والحمد لله أننا نلمس هذا الاتجاه بشكل واضح في جميع الأندية الموجودة في المملكة مما يدل على اهتمام القائمين على أمرها، فبارك الله فيهم وفي جهودهم، ونسأل الله عز وجل أن يحقق الخير لأبناء المسلمين على أيديهم إنه على كل شيء قدير.
أما محاضرة هذه الليلة؛ فهي بعنوان: "قوارب النجاة" هذه الحياة -أيها الإخوة- بحر هائج ومحيط متلاطم ينزله الإنسان؛ فإما أن يسبح فيه وينجو، وإما أن يهلك فيه ويغرق، ولا خيار للإنسان حينما جاء إليها، يقول أحدهم:
جئت لا أدري من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري ولماذا لست أدري؟ لست أدري
جاء إلى هذه الحياة وهو لا يدري لماذا جاء إليها، ولا إلى أين سيذهب بعد أن يؤدي دوره على مسرحها؛ فتولد عن هذا الجهل العذاب والشقاء والضلال والحيرة والقلق والاضطراب، مثل من يعيش في صحراء لا يدري إلى أين يتجه، هذه الحياة -أيها الإخوة- جئنا إليها، ونحن على يقين أننا سننتقل منها، ونحن مسافرون منذ أن وطئت أقدامنا على ظهر هذه الحياة، وما من يوم يمر ولا ساعة ولا شهر ولا سنة تدور إلا ونحن نقطع مرحلة من مراحل أعمارنا على هذه الحياة، ونقترب من المصير المحتوم الذي سنفاجأ به في نهاية المطاف وهو الموت، وهناك ننزل من مسرح الدنيا ونعامل في الآخرة على ضوء سلوكنا في هذه الدار، إما إلى الجنة وإما إلى النار.
الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الباب ما الدار
وقال الآخر:
الدار جنة عدن إن عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنار
هما محلان ما للمرء غيرهما فاختر لنفسك أي الدار تختار
ليس هناك في الآخرة من دار إلا الجنة أو النار، وأنت في هذه الدنيا تسير، وسيرك فيها يجب أن يكون فيه نوع من التوقي والحماية؛ لأنك معرض فيها لمعاطب ومشاكل، والله أوجدك على ظهرها وجعل لك هذه المعاطب، وأمرك بالتوقي وبالتقوى حتى تصل سالماً إلى جدار الموت، أما إذا لم تتوق ووقعت في حفرها وأشواكها وحبائلها وزجاجاتها ومعاطبها؛ فإنك سوف تعطب، وسوف تنالك هذه الجروح، ولكن لن تشعر بها إلا إذا وقفت عند الموت تريد النزول وإذا بك معطل من كل جانب، عينك وأذنك ويدك ورجلك معطلة ومسمومة بالحرام، وإذا بك مدمر في كل جزئياتك، وهناك تطلب الرجعة من أجل التصحيح، فلا يستجاب إلى طلبك، كما قال عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:٩٩] يطلب الرجعة ليصحح الوضع مع الله وليتق الله، لكنه فوت الفرصة فلا مجال له، قال عز وجل: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:١٠١].
هذه الحياة يشبهها العلماء بالبحر المتلاطم، وليس من وسيلة للنجاة فيها إلا عن طريق قوارب النجاة، والقوارب موجودة ومتوفرة، وبإمكان كل من أراد أن ينجو من محيط هذه الحياة وبلياتها ومصائبها أن ينجو، وإذا تعلق وركب في القوارب نجا، وإذا أهمل الأسباب وعطل الوسائل وعاش معتمداً على الأماني هلك، والطالب في الجامعة أو المرحلة الثانوية أو المتوسطة أو الابتدائية يهتم بالدراسة من أول العام، ويحصل ويجتهد، ويحل الواجبات، ويحضر المحاضرات، ويلخص الدروس، ويراجعها أولاً بأول، ويستعد للمذاكرة، حتى إذا جاءت ساعة الصفر ودخل صالة الامتحان كان معبأً بالمعلومات التي اكتسبها خلال عامه الدراسي، فيجيب على الأسئلة، ويقدم الورقة مملوءة بالإجابة الصحيحة، ويتوقع النجاح والتقدم في درجات العلم، هذا هو المنطق؛ لأنه أخذ بالأسباب، وركب في قوارب النجاة من الامتحان.
لكن ما ظنكم في طالب بليد مهمل لم يحضر درساً، ولم يتابع محاضرة، ولم يحل واجباً، وإنما اكتفى بالأماني واللعب والفوضى والبلادة وعدم المتابعة، وفي آخر العام حينما علق الجدول قيل له: هذا الجدول علق، انتبه، قرب الامتحان، قال: دعونا من التعقيدات ودعونا نعيش فقط، إذا جاء الامتحان يفرجها الله، وأخذ الجدول ومزقه، وفي أول يوم من أيام الامتحان أخذ قلمه وذهب إلى الامتحان وعقله فارغ من المعلومات ودخل إلى الصالة، وحينما قعد على الطاولة وسلم ورقة الأسئلة وقرأها، وإذا به لا يعرف جواباً ولا حرفاً واحداً، فما كان منه إلا أن رفع إصبعه ودعا رئيس اللجنة، وقال: من فضلك أريد أن تعطيني ساعة أخرج إلى الخارج أنظر في الإجابة وآتيك، ما رأيكم هل يطيعونه في الدنيا؟ ما سمعنا بهذا، ما رأيكم لو أطاعوه؟ لو أن رئيس اللجنة أخذته الرحمة، وقال: ما دام أنك تعبان ولا تعرف فلا مانع، هذه الورقة ولك ساعة واحدة، خذ الدفتر وأجب على الأسئلة وتعال بها، هل تبقى هناك قيمة للامتحانات؟ السنة الثانية الطلاب جميعهم لن يذاكرو، ويقولوا: سنفعل مثل زميلنا هذا، ونأتي في آخر السنة ونطلب من الأستاذ ونخرج فنجيب على الأسئلة لماذا نتعب طوال العام؟ وبالتالي تتحطم العلوم والمعارف، ولا يبقى علم أبداً في الأرض، لماذا؟ لأن الناس سيكونوا جهلة، يحملون شهادات فارغة من المضمون؛ لأنهم ما ذاكروا ولا درسوا، وإنما يجلسون يلعبون إلى آخر السنة، ومن ثم ينقلون الأسئلة من كتاب الإجابة ويحضرونه وهم لا يفهمون ما فيه، هذا لا يصير أبداً في عرف الناس، فكيف يمكن أن يصير عند الله عز وجل؟ كيف تتصور أن تعيش عبداً لشهواتك، وملبياً لرغباتك، ومعانداً لمولاك، وقاطعاً لبيوت ربك، هاجراً لكتاب ربك، ثم تتمنى الأماني وتقول: الآخرة إن شاء الله يحلها حلال، مثلك كمثل هذا الطالب البليد الذي لن يجاب إلى ما يطلب، كما قال الله عز وجل عنهم أنهم يقولون إذا دخلوا ال