ثم انظروا -أيها الأحبة- إلى هذه الإحصائيات السريعة الموجزة في خلقنا نحن؛ لتروا عظمة الله وبديع صنعه في خلق هذا الإنسان! وفي حفظه منذ بدايته حتى ينزل إلى هذه الأرض ويفارقها! سبحان الله! ما أعظم خلق الله تعالى! نحن -أيها الأحبة- ما نتفكر في أنفسنا، الإنسان منا ينام لكن ما يفكر في ليلة من الليالي كيف ينام، الإنسان يفكر ويحتفظ في عقله بالصور العظيمة العجيبة ما يفكر في هذا العقل، ما يفكر في اليد، ما يفكر في بديع خلق الله تعالى فيها، ما يفكر في نفسه، ما يتأمل خلق الله سبحانه وتعالى.
دعونا نقف لحظات قصيرة جداً لنتأمل بعض سر الإعجاز في خلق الله تعالى للإنسان: وزن القلب حوالي ثلاثمائة واثني عشر جراماً، ينبض بمعدل سبعين نبضة في الدقيقة، أي: بمعدل مائة ألف مرة يومياً، هذا القلب، ينبض القلب الواحد في العام حوالي أربعين مليون مرة، تصور هذا الجهاز من حفظه، أي جهاز في الدنيا لا يمكن أن يعيش هذه المدة الطويلة بهذا الحفظ وبهذا الصون، مَنْ حفظه؟! وفي كل نبضة يدخل حوالي ربع رطل من الدم، ويضخ في يوم واحد اثنين وعشرين ألف جالون من الدم! -قد تستغربون، تقولون: هذا الشخص يمكن اليوم أتى بأشياء حلمها في الليل، هذا العلم أثبت هذه الأشياء، ليس من كيسي هذا العلم، هذا الطب، هذه الحقائق أتت حتى من غير المسلمين، هذا طب يفرض نفسه، ما هي اجتهادات ولا تخيلات، هذا علم- اثنين وعشرين ألف جالون من الدم، وحوالي ستة وخمسين مليون جالون على مدى حياة كاملة، يضخها القلب، فأي محرك يستطيع القيام بمثل هذا العمل الشاق؟! الدم الذاهب إلى الدماغ يعود إلى القلب في ثمان ثواني، بينما يعود الدم الذاهب إلى أصابع القدم في ثمانية عشر ثانية، وفي الدم خمسة ملايين كرية حمراء، في كل ملي متر مكعب واحد من الدم، خمسة ملايين كرية حمراء أي: تبلغ في مجموع الدم العام حوالي خمسة وعشرين مليون كرية حمراء.
وتفرش هذه الكريات سطحاً مقداره ثلاثة آلاف وأربعمائة وخمسين متر مربع، وإذا صفت كريات الدم الحمر التي في بدن واحد بجانب بعضها البعض، أي: لو أتينا إلى الكريات الحمر في إنسان وصففناها بجانب بعضها البعض كم تتصورون أنها تمتد؟ كم يكون طولها؟ لو صفت بجانب بعضها البعض فإن مجموع هذه الكريات ينشئ طولاً يغلف الكرة الأرضية ستة أو سبع مرات، وتمشي الكرية الحمراء في رحلتها لنقل الأكسجين ألف ومائة وخمسين كيلو متر في عروق البدن، يحوي الجسم البشري أكثر من ستمائة عضلة، وأكثر من مائتي عظم، وتحوي العضلة المتوسطة الحجم على عشرة ملايين ليف عضلي، في كل يوم يتنفس الإنسان خمسة وعشرين ألف مرة، يسحب فيها مائة وثمانين متر مكعب من الهواء، يتسرب منها ستة أمتار ونصف متر مكعب من الأكسجين إلى الدم، عمل العضلات مجتمعة في اليوم يساوي ما حمولته عشرون طناً -عمل عضلات جسم الإنسان الواحد يساوي ما حمولته عشرون طناً- في المعدة حوالي خمسة وثلاثين مليون غدة للإفراز، في الدماغ ثلاثة عشر مليار خلية عصبية، ومائة مليار خلية دبقية استنادية تشكل سداً منيعاً لحراسة الخلايا العصبية من التأثر بأية مادة، في العين الواحدة حوالي مائة وأربعين مليون مستقبل للضوء، في العضو الذي يمثل شبكية الأذن حوالي ثلاثين ألف خلية سمعية لنقل كافة أنواع الأصوات، وهذا إعجاز أيضاً، لو تسمع ألف صوت من أول ما يكلمك الشخص تعرف صوته، من الذي أعطاك هذا التمييز تعرف صوت هذا من صوت هذا؟! في الدم الكامل خمسة وعشرين مليون مليون كرية لنقل الأكسجين، وخمسة وعشرين مليار كرية بيضاء لمقاومة الجراثيم ومناعة البدن، ومليون مليون صفيحة دموية لحفظ الدم ضد النزف وإيجاد التخثر في أي عرق نازف.
ومما يذكر هنا أن الكريات الحمر تقوم بنقل ستمائة لتر من الأكسجين لخلايا الجسم كل أربع وعشرين ساعة، يعتبر الكبد أكبر غدد البدن، ويزن ألف وخمسمائة غرام، وفيه من الخلايا ثلاثمائة مليار خلية، في الكبد وحده! يمكن أن تتجدد هذه الثلاثمائة مليار كلياً خلال أربعة أشهر، الكلية تزن مائة وخمسين غراماً فيها مليون وحدة وظيفية لتصفية الدم، ويرد إلى الكلية في مدة أربعٍ وعشرين ساعة ألف وثمانمائة لتر من الدم، يضخ القلب حوالي ثمانية آلاف لتر من الدم، داخل الجملة الدورانية التي تمتد في جسم الإنسان حوالي مائة وخمسين كيلو متر.
هذه أيها الأحبة! حقائق عظيمة، وكما ذكرت قد يستغرب الإنسان ومن يتصور أن هذا جزء يسير؟! والله ما أتيت إلا بغيض من فيض، وهذه الأشياء يسيرة جداً، وإلا فهذا المخلوق مخلوق عظيم عجيب، من يتصور أن هذا كله موجود في هذا الكائن الحي، في هذا الإنسان؟ فمتى تفكرنا -أيها الأحبة! - في بديع صنع الله تعالى، وفي عظمة خلق الله تعالى لنا؟ إن التفكر في الإنسان -أن يتفكر في نفسه- من أعظم الأشياء التي تقوده إلى معرفة الخالق، وإلى توحيد الله تعالى، وإلى إجلال الله تعالى، وإلى زرع مهابة الله تعالى في قلب الإنسان وفي صدره:
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى عالم أكبر
فمن الأمور التي يفكر فيها المسلم أن يتفكر في نفسه، كما قال تعالى:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢١].
وإلى غير ذلك من الآيات العظيمة، وأنا في الحقيقة أعلم أنكم ما أتيتم إلا حباً في الشيخ؛ لذلك اعتذر إن كُنت أخذت شيئاً من وقته ووقتكم، وأسأل الله العلي القدير أن ينفعني وإياكم بما سمعنا، وأترك المجال إلى الشيخ سعيد حفظه الله، فليواصل مشكوراً مأجوراً.