فالروح تخرج من الإنسان مرتين: مرة عند النوم ومرة عند الموت، فتخرج من الإنسان عند النوم ولكنها لا تذهب بعيدة بل تكون قريبة بحيث إذا أردتها تأتي.
أما الخروج النهائي فهو عند الموت تخرج ولا تعود في هذه الدار، تعود في مرحلة ثانية من مراحل هذه الحياة وهي بعد الموت في القبر، وعودتها هناك تختلف عن عودتها في الدنيا، يقول الله عز وجل:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}[الزمر:٤٢] أي: والتي لم يقض الله عليها بالموت يتوفاها أيضاً في منامها: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}[الزمر:٤٢] ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) ويقول الإنسان عندما يستيقظ من نومه: (الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور).
ويقول أحد العلماء وهو يمثل لهذه القضية: إن الروح في خروجها عند النوم وفي خروجها عند الموت مثلها مثل الموظف الذي يترك العمل في إجازة والذي يترك العمل في استقالة وطي الكشف، فالذي يترك العمل في إجازة يترك عنوانه عند العمل بحيث إذا حصلت طوارئ أو حالة استدعاء عاجلة يتصلون به فيأتي؛ لأنه لا زال في العمل ولا زالت رابطة الوظيفة قائمة بينه وبين إدارة عمله، ولذا إذا أرادوه أن يأتي ولو كان في إجازة يقطعون إجازته، ولو كان في عمل لا يستطيع أن يقول: لا، بل يجب عليه أن يأتي؛ لأنها إدارته، أما المفصول نهائياً أو المطوي قيده تنتهي صلته بالوظيفة، ويستلم حقوقه، وينهي جميع التزاماته في هذه الوظيفة، ولو دعوه بعد ذلك يقول: ليس لي علاقة بكم! فالإنسان إذا نام تخرج روحه وتجلس قريباً من جسده، لماذا تخرج؟ قال العلماء: تخرج الروح ليرتاح الجسد؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يرتاح إلا بغياب الروح، ولو بقيت الروح مع الإنسان ولم ينم فإنه لا يرتاح، ولذا الإنسان إذا أراد أن ينام وأتى من عمل أو دوام أو سفر وهو متعب ومنهك ومحطم القوى ويريد أن ينام، فإنه لا بد من خروج روحه في النوم حتى بعد ساعتين أو ثلاث أو أربع أو خمس أو ست ساعات حسب ساعات النوم توقظه، وإذا به مرتاح جداً ولم يعد هناك أي تعب ولا ألم ولا شيء.
لكن! إذا أردت أن يرتاح على السرير ليس خمس ساعات بل عشرين ساعة، ولكن بدون نوم كلما نام أيقظته هل يرتاح؟ تقول له: حسناً! استرح لكن لا تنام! هل يرتاح؟ بل يتعذب رغم أنه مستلقٍ على السرير وجسمه مرتاح، ولا يؤدي أي دور لكن الروح موجودة، الراكب موجود على المركوب، والمركوب لا يستطيع أن يرتاح والراكب عليه، هل تستطيع إذا سافرت في سفر ومعك حمار أو جمل ثم أردت أن تنام فهل تنام على ظهر الحمار؟ لا يمكن -أبداً- بل يجب عليك أن تنزل من على ظهر الحمار، وتنزل العفش لكي يرتاح الحمار أو الجمل، ليمكنك السفر عليه مرة ثانية، والناس هكذا كلهم.
في القديم إذا سافروا ووصلوا إلى مكان معين فإنهم ينزلون وينزلون عفشهم من على دوابهم من أجل أن ترتاح دوابهم.
كذلك سيارتك هذه عندما تصل في مكان معين وتريد أن تنزل فهل تجعلها شغالة أم تطفئها؟ تطفئها، لكن إذا وقفت سيارتك وذهبت تنام وجعلتها شغالة إلى الصباح تأتي وقد انتهى الوقود وانفجر المحرك.