[مقطوعة شعرية يلقيها الزهراني]
حقيقة إنه لا بد من الاستعداد؛ لأن هذا شيء معروف، فالشعر له في النفوس منزلة كبيرة وما أذكر أني وقفت موقفاً إلا طلب مني شعر، وهذا لا يستغرب؛ لأن أمة العرب كما يقولون: أمة شاعرة، والعربي لا يخلو من رجلين اثنين: إما أن يكون شاعراً، أو متذوقاً للشعر، وجدت في جيبي مقطوعة من آخر القصائد أسمعكم إياها، وأسمعكم جزءاً من قصيدة أخرى.
أما المقطوعة فكانت في أمسية شعرية في مكة المكرمة في ثانوية أبي زيد الأنصاري لتحفيظ القرآن الكريم، فكتبت مجموعة أبيات سميتها رسالة إلى أبي زيد الأنصاري وهو من حفاظ القرآن الكريم وممن جمع القرآن:
طاب اللقاء بين أحباب وسمارِ وآن لي أن أبث اليوم أشعارِ
يا فتية الحق أنتم فجر نهضتنا أنتم لأمتنا كالكوكب الساري
يا من وعيتم كتاب الله طاب لكم أنساً وفخراً ونلتم خير تذكارِ
أنتم فخار لنا أنتم سعادتنا وليس أصحاب طنبور ومزمارِ
أمجادنا بـ أبي زيد وحنظلة بـ مصعبٍ وابن مسعودٍ وعمارِ
كم من وسام أبا زيد ظفرت به مجاهد، حافظ، والفرع أنصاري
نلت الهدى من رسول الله فزت به غضاً طرياً كمثل السلسل الجاري
إن بات غيرك في غيٍّ وعربدة وفي خمول فأنت الساجد القاري
نم يا أبا زيد مسرور الفؤاد فما زالت جحافلنا تمضي بإصرار
هم فتية عشقوا نشر الهدى وأتوا من قرب مسرى رسول الله والغار
ساروا على نهجه الميمون في ثقة وأعرضوا عن طريق الذل والعار
وهذه قصيدة عن العميان نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المبصرين في الدنيا والآخرة، كنت في اجتماع لبعض الأطباء عن مكافحة العمى في العالم الإسلامي، فطلبوا مشاركة فقدمت هذه القصيدة، بدأتها طبعاً بذكر بعض أخبار العمى، ثم آخر القصيدة حول الموضوع الذي كانت حوله تلك الندوة وذلك اللقاء، لكن لضيق الوقت أقتصر بمقطع من أول القصيدة على حسب ما أحفظ منها:
قالوا بلا بصر يمشي فقلت لهم عمى البصيرة أقوى من عمى البصرِ
إن العمى أن ترى النهج القويم فلا تمشي إليه وتبقى حائر الفكرِ
إن العمى أن يعيش القلب في شُبَهٍ كظلمة الليل في غيٍ وفي نكرِ
إن العمى أن ترى الإنسان مظلمة حياته عاش بين الكأس والوترِ
إن العمى أن ترى العينين مبصرة لكنها من هدى الباري بلا بصرِ
وانظر عماية من ضلوا وما انتفعوا بأعين ماثلتها أعين البقرِ
عين ترى كل ما في الأرض وامتنعت من نور خالقها يا خيبة النظرِ
ليس التقى مظهراً أو حسن هندمة وليس في أعين فتانة الحَوَرِ
إن التقى أن يعيش القلب ممتلئاً بنور مولاه يأبى ظلمة الخَوَرِ
وأفضل الناس عند الله أعظمهم تقوى فما قيمة الأشكال والصورِ
قد عاتب الله خير الناس في رجل أعمى وخلده في الآي والسورِ
وكم إمام لنا قد كان ذا ضرر في أول العمر أو في آخر العمرِ
كان ابن عباس أعمى وهو عالمنا وترجمان الهدى فاسأل عن القمر
قتادة وعطاء سادة النجب والترمذي الذي قد ساد في الأثر
والعكبري وأبو حيان والذهبي والشاطبي الذي قد جاء بالدرر
وذو المصنف فانظر في مصنفه لهو ابن حنبل كم يلتذ بالسفر
أئمةٌ كثرٌ لم يحصهم قلمي وجف عن ذكر أمجاد لهم حبري
وانظر لباز التقى والعلم تبصره بدون عينين قد أربى على البشر
عبد العزيز الذي تهفوا النفوس له وتشتري نظرة في وجهه النَّضِر
كالبحر في علمه السامي وذو خلق كالمسك كالعنبر الفواح كالزَهَر
وقبله ابن حميد فارس بطل مضى وسيرته من أطيب السير
أنار بالعلم أنحاء الديار وما حال الـ ـعمى دون حسن الرأي والفكر
رأى بنور الهدى ما غاب عن مقل النور للقلب ليس النور للبصر
فرحمة يا إماماً عاملاً ورضاً يغشاك يا طيب الأنفاس والأثر
إن كنت فارقتنا جسماً فما برحت روح التقى والهدى معطاءة الثمر
ما مات من خلف الأبطال قد نهلوا من حسن تأديبهم من منهل عطر
وقبلهم شيخهم مفتي الديار فهم مثل النجوم وذاك الشيخ كالقمر
الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله، هؤلاء كلهم عمي، لكنهم أُسُوْد، عمي لكنهم أبصروا بنور الله تعالى.
وقبلهم شيخهم مفتي الديار فهم مثل النجوم وذاك الشيخ كالقمر
ذاك الهزبر إذا ما صال صولته رأيت أعداء دين الله كالهرر
شيخ أبي قوي في مبادئه وكل زيف وضعف فهو منه بري
انظر فتاوى التقى ما كان يصدرها ممزوجة بانهزام النفس والخدر
أئمة صبروا بالعلم واشتهروا ما ردهم ضرر عن قمة الظفر
الطيب معدنهم والنصح ديدنهم نعم الرجال فهم فخر لمفتخر
بشرى لمن عاش والقرآن قائده يمشي به في دروب الخير والظفر
يا أمة غفلت عن درب عزتها ما بالها انغمست في الوحل والمدر
يجدُّ أعداؤنا في دعم باطلهم ويبذلون ملاييناً بلا حذر
حتى عمى العين نالوا منه بغيتهم بموفد بثياب الرفق مستتر
الرفق ظاهرهم والمكر مبدؤهم أحفاد نقفور كلب الروم والتتر
يعالجون عمى العينين كي يصلوا إلى عمى القلب يا للمبدأ القذر
كم أدمغ غسلوا كم درهم بذلوا وهم وما بذلوا في أمهم سقر
وأكتفي بهذا القدر والقصيدة موجودة ومسجلة، وحتى إن الإخوة أحرجوني أن أسجلها بصوتي، فهي مسجلة وموجودة في أمسية جديدة هي في طريقها إليكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.