السادس: التأمل والتفكر والتدبر في نعم الله وفضله وإحسانه عليك أيها الإنسان! وهذه -أيها الإخوة- نغفل عنها كثيراًَ، وما أعظم نعمة الله علينا:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل:٥٣] نعمة الخلق، فمن الذي خلقك أيها الإنسان؟! {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:٦ - ٨] نعمة الخلق والإيجاد، نعمة الرزق والإمداد، نعمة الإيمان والإسعاد، نعمة العافية، نعمة الأمن، نعمة الجوارح، تفكر يا أخي في نفسك! تأمل في نعمة العين التي في رأسك، تصور أنك أعمى في هذا المسجد -عافاك الله- وتريد أن تخرج إلى المسجد بعد صلاة العشاء فمن يذهب بك إلى البيت؟ من يقود لك السيارة؟ كيف تعرف الألوان؟ كيف تعرف الأشكال؟ الأعمى الآن مسكين لا يرى من العالم شيئاً، يقول: كيف الطيارة؟ لا يعرفها! كيف السماء؟ لا يراها، كيف الجبال؟ لا يراها، كيف البحار؟ لا يراها! كيف العمارات؟ لا يدري عنها شيئاً، والله جعل لك عينين:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ}[البلد:٨] فسخِرها فيما يحبه الله، تأمل في أفضال الله عليك، تأمل في نعمة الله عليك بالأذنين، وتصور أنه لا يوجد لديك سمع تسمع وأنت جالس في المجالس والناس يتكلمون وأنت مثل (المسند) جالس لا تسمع شيئاً! تقول: ماذا يقولون؟ لا تدري ماذا يقولون؟ يشيرون لك إشارة لا تسمع، ولا تدري ماذا يقصدون بالإشارة، فالسمع نعمة من نعم الله عليك:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل:٧٨] نعمة اللسان هذه نعمة، يقول الله تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً}[البلد:٨ - ٩] اللسان نعمة تفصح به عما في نفسك، وتعبر به عما في خاطرك، تُعلم الناس ما تقول، الآن الأعجم يومئ بكلام غير واضح وغير مفهوم، لكن كلمتان تخرجهما من لسانك يفهمك الناس، فاستعمل هذا اللسان في طاعة الله عز وجل.
{وَشَفَتَيْنِ}[البلد:٩] نعمة من نعم الله عليك؛ لأن الشفتين واللسان هي التي تتحكم في إخراج الحروف، هناك حروف لا تخرج إلا بالشفتين، وهناك حروف لا تخرج إلا من طرف اللسان، وكذلك باللسان تتذوق الأطعمة، تصور نفسك مصاباً بالنزول وأهلك يحضرون لك الطعام وأنت لا تتذوقه، تقول: لا أجد فيه طعماً؛ لماذا؟ لأنك مريض، فهذه نعم.
نعمة اليدين، نعمة الأصابع، نعمة الإبهام وديتها في الشرع نصف دية اليد، لو فقدت أو لو أن الناس ما عندهم إبهام لتعطلت الحضارة كلها، من يشد مسماراً بإصبعين؟ لا أحد يستطيع أن يشد مسماراً بإصبعين أبداً، لكن هذه تشد وتقبض، إذا حدث لأصبعك شيء لن تستطيع أن تصنع شيئاً، فاعرف نعمة الله عليك، من فصَّل لك هذه اليد؟ كلها مفاصل من أجل ماذا؟ لكي تستعملها في كل اتجاه، لكن لو أن الله أعطاك يداً مثل (العصا) فكيف ستستعملها؟ لن تستعملها إلا في الضرب، لكن الله لم يخلقك لتضارب الناس حتى يعطيك عصاً معلقة، لكن الله جعل يدك في الجزء العلوي من أجل أن تصل بها إلى رأسك، وتصل بها إلى رجلك، لكن لو أن يديك في أرجلك، وجدت حمامة أو طائراً وقفت في رأسك فكيف تمتنع؟! وجعل رأسك أعلى شيء، وجعل العينين في المقدمة، وجعل الأذنين في الجنبين، والرأس مركب على رقبة، والرقبة لولبية تحركها يميناً وشمالاً لماذا؟ من أجل أن تستعملها، لكن لو أن رأسك على رقبتك على عظم، فكيف تتلفت؟ هذه نعمة أم ليست نعمة أيها الإخوان؟! انظروا إلى من يصاب بشد عضلي كيف تراه؟ تقول: كيف حالك؟ يقول: بخير، لا يستطيع أن يلتفت وإذا التفت قال: آه رقبتي! ماذا بك؟ قال: عصبة صغيرة، عضلة صغيرة، اشتدت عليه أرقته في نومه، إذا جاء لينام لا يستطيع أن ينام من أجل شيء بسيط، أليست هذه كلها نعماً؟! في كل النعم التي يمن الله بها عليك لا تغفل عنها لحظةً من لحظاتك، وأنت تأكل الطعام تأمل في النعم التي ساقها الله إليك، وأخرج لك من الطين ومن الماء هذه النعم المتعددة، وصنفها وحلاها، وجملها وشكلها من كل نوع، ثم تأمل كيف يخرجها الله منك بعد أن تأكلها، ويفصل ما ينفعك فيبقيه فيك، ويفصل ما يضرك فيخرجه الله منك، وتأمل لو أن الله حبس فيك هذا الضرر كيف تصنع؟ لو احتبس فيك البول لأصبحت حياتك مريرة، ولانعدمت حياتك أيها الإنسان! وكل هذه النعم، والمجال لا يتيح لي التوسع فيها؛ المهم أن تتأمل في فضل الله وإحسانه عليك؛ في عافيتك، وفي ستر الله عليك، وفي رزق الله لك، وفي كل النعم التي من الله عليك بها، فإذا تأملت فيها وشكرت الله أحبك الله، هذا مما يعرضك لمحبة الله عز وجل.