للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بساتين الجنة وأنهارها وقصورها]

في الجنة بساتين وأنهار ولكن ليست كبساتين الدنيا ولا كأنهارها، فبساتين الجنة: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} [الرعد:٣٥] {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:٣٣] لا مقطوعة ولا ممنوعة بثمن: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢٣ - ٢٤].

وأما أنهارها: {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:١٥] لكل مسلمٍ ومؤمنٍ في الجنة -جعلنا الله وإياكم من أهلها وآبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا وإخواننا وأخواتنا وجميع إخواننا المسلمين- لكل مؤمن في الجنة قصرٌ تجري من تحته الأنهار، وهي أربعة أنهار: النهر الأول: نهر من لبن لم يتغير طعمه؛ وتغير طعم اللبن طبيعة فيه إذا مرت عليه ليالٍ تغير إلى الحموضة، ثم إلى الفساد والتسمم، ولكن لبن الجنة لا يتغير طعمه، ولا يحمض ولا يتسمم.

النهر الثاني: نهر من خمر لذة للشاربين، وخمر الجنة ليس كخمر الدنيا، فخمر الدنيا يذهب العقول، ويحول الإنسان من عاقل إلى مجنون.

واترك الخمرة لا تشربها كيف يسعى في جنون من عقل

الخمرة تذهب عقل المكلف فيرتكب الحرام، ويقع في الجرائم، ويرتكب المآسي لذهاب عقله، ولذا سميت: أم الخبائث، وتوعد الله عز وجل من شربها في الدنيا ومات ولم يتب أن يسقيه من طينة الخبال: (قيل وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: عرق أهل النار) وقال صلى الله عليه وسلم: (من شرب الخمرة في الدنيا ومات ولم يتب سقاه الله من نهر الغوطة.

قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهرٌ يجري في جهنم من فروج المومسات) يعني: الزانيات، ومن شربها حرم عليه خمر الجنة، ومعنى حرمان خمر الجنة أي: حرمان دخولها، إذ لا يعني أنه يحرم من خمر الجنة أن شارب الخمر المدمن عليها يدخل الجنة ويمنع من خمر الجنة، لا.

ولكن الحرمان يعني الحرمان الكلي من دخول الجنة؛ لأن الجنة ليس فيها شيء ممنوع على أهلها، فخمر الجنة لا يذهب العقول وإنما شراب طاهر لذيذ {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان:٢١] {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات:٤٧] لا تغتال العقول، ولا تحدث الإنزاف، وإنما خمر لذة للشاربين، جعلنا الله وإياكم من أهلها.

النهر الثالث: نهرٌ من عسلٍ مصفى، ليس عسل أقراص، نحن الآن كما يقول بعض الإخوة: (ما شبعنا في العسل غماس) فكيف به أنهاراً؟ نهر يجري من تحت بيتك من عسلٍ مصفى ليس فيه أخلاط وإنما هو أصفى من الشمس.

النهر الرابع: نهر من ماء غير آسن؛ لأن ماء الدنيا إذا ركد أسن، وإذا أسن تغير طعمه ولونه وريحه وفسد، ولكن ماء الجنة غير آسن، هذا كله نعيم وعد الله تعالى به أهل الإيمان.

أما القصور: ففي الجنة قصور يحدثنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (للمؤمن في الجنة خيمة من درة مجوفة طولها ستين ميلاً في السماء، وله في الخيمة الواحدة اثنتين وسبعين زوجة -سبعين زوجة من الحور العين واثنتين من نساء الدنيا- لا ترى واحدة منهن الأخرى) من طول المسافة بينهن.