للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حفظ الله لأجساد الأنبياء]

قد دلت الأحاديث الصحيحة أن أجساد الأنبياء لا يصيبها البلاء، فجميع البشر تأكلهم الأرض إلا الأنبياء، وبعض الشهداء الذين يكرمهم الله عزَّ وجلَّ فلا تأكلهم الأرض، وقد حصلت هذه الكرامات لبعض شهداء أفغانستان، شهداء ماتوا ووجدوهم بعد فترة طويلة ودماؤهم ما زالت تنزف، وأجسادهم ليِّنة رطبة كأنهم ما توا في تلك اللحظة.

كذلك أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض لِمَا رواه أبو داوُد بسندٍ صحيح قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) لا تأكلهم الأرض فأجسادهم موجودة كما ماتوا إلى يوم القيامة، وإذا بُعِث الرسول يوم القيامة وإذا بجثته التي كان عليها يوم أن مات -صلوات الله وسلامه عليه-.

وقد ذكرت كتب التاريخ أن مجموعة من النصارى أرادوا أن يسرقوا جسد النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا اثنين منهم، وجاءوا إلى المدينة المنورة، وتعبدوا في الحرم -وهم نصارى- وأظهروا النسك والعبادة، وانقطعوا للعبادة في الحرم النبوي، وكانوا لا يخرجون من المسجد أبداً، بالليل والنهار عبادة، وقراءة، وبكاء عند القبر وعند الحُجْرَة، مِن أجل أن يبلغوا حاجةً في صدورهم، وهي سرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم، وأَمِنَهم الناس، وأحبهم الناس، ورأوا أن فيهم علامات الصلاح والولاية، وشيئاًَ لا يتصوره العقل.

وكانت لديهم نقود أتوا بها من بلادهم والدول التي أرسلتهم، فقاموا واشتروا داراً قريبةً من حُجْرة النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها قبره، وصاروا يجلسون طوال اليوم وجزءاً من الليل في المسجد، ثم يذهبون وينامون في غرفتهم التي بجوار المسجد.

ثم حفروا لهم حفرةًَ في وسط الغرفة، وبدءوا ينبشون الأرض من الداخل، من أمام المنطقة التي تصل بهم إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وبطريقة مخفية وسهلة ولا يكتشفها أحد، وعلى مدة من الزمن، فهم لا يريدون أن يسرقوا الجسد في سنة، أو سنتين، أو ثلاث، بل لا يُخْرجون في بعض الأيام من التراب إلا زنبيلاً أو زنبيلين؛ لكن مع الزمن يقال: (جبال الكحل تفنيها المراود).

فهؤلاء بدءوا في طريقتهم حتى لم يبقَ بينهم وبين جسد النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلا شيئاً يسيراً.

وإذا بالإمام المجاهد العظيم نور الدين الزنكي وهو في دمشق -حاكمٌ من حكام الدولة الأيوبية- إذا به يرى في المنام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: يا نور الدين، أنقذني مِن هذين، وهما رجلان أمامه، فتفرَّس في وجهيهما ورآهما، فإذا بعلامات الصلاح والهداية والنور تبدو منهما.

قال: فقمتُ وصليتُ ثم نمتُ، وإذا به مرة ثانية في الليل يقول: أنقذني يا نور الدين مِن هذين.

قال: فصليتُ ونمتُ وعزمتُ أن أعمل شيئاً، وإذا بي أرى الرؤيا مرة ثالثة: يا نور الدين، قم أنقذني مِن هذين.

وإذا بالرجل لم يعد يأتيه نومٌ، فقام ونادى وزراءه، وأمر بالجيش وجهَّزه، وأخذ المال والرجال، وما أمسى بعد أسبوعين إلا في المدينة المنورة.

ولما قَدِم المدينة المنورة نزل في بيته، وأعد وليمة وهدايا، وطلب من حاكم المدينة أن يجمع أهل المدينة كلهم، وأن يدخلهم من أمامه ليعطيهم الجوائز، فجمع الناس كلهم في صعيدٍ واحد وبدءوا يدخلون من أمام الملك والملك يقسِّم عليهم، وينظر في وجوههم، إلى أن انتهى الناس كلهم، ولم يجد أحداً تنطبق فيه صفات هذين الرجلين الَّذَين رآهما في المنام، سأل الأمير قال: بقي أحد في المدينة؟ قال: أبداً، لم يبقَ أحد إلاَّ رجلَين زاهدَين عابدَين منقطعَين في العبادة، لا يريدان الدنيا، ولا يريدان العطايا، ولا يرغبان في الجوائز، ولا يخرجان من المسجد، فهما من أهل الله، لا يأتون أبداً، قال: ائتوا بهم إليَّ.

فأرسل الرجال، فأخذوهما، وجاءوا بهما، وعندما دخلا عليه، وإذا بهما هما اللذين رآهما في المنام، وهما صاحبا الصورة، فقال: أدخلوهما.

فأدخلهما السجن، وبدأ التحقيق معهما، وتفتيش بيتهما، وعندما جاءوا إلى البيت وإذا بظاهره فراش ولا أحد يشك فيه، ففتحوه وإذا بالحفرة تحته، فنزلوا فيها وإذا بهم لم يبقَ بينهم وبين قبر الرسول إلا قريباً من شبر فقط.

فأمر بقطع رأسيهما بعد أن اعترفا، فقالا: نحن جئنا من الجهة الفلانية لسرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم.

فأمر بقطع رقبَتَيهما في السوق علناً، ثم أمر فضُرِب حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدائرة صبَّت بالرصاص، بحيث لا يستطيع أحد أن ينقضها بأي حالٍ من الأحوال، وهذا من حماية الله لجسد النبي صلى الله عليه وسلم.

يبعث الله العباد على ما ماتوا عليه، ولهذا احذر لا تمُت وأنت حالقٌ للحيتك، فتُبعث حالقاً للحيتك.

بأي وجه تقابل الرسول ووجهك ليس مثل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم؟! كيف تقابل الرسول وأنت حليق؟ مَن قدوتك وأنت حالق؟! اسأل نفسك الآن: مَن الذي يحلق؟! هل هو الرسول؟! لا.

هل هم الصالحون؟! هل هم الصحابة؟! لا.

الذي يحلق هم المجوس واليهود والنصارى، فليسوا قدوتك أنت، الله يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١] لكن من هو الذي له أسوة حسنة في رسول الله؟! {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:٢١] ولا تتذرع ولا تتعذر وتقول: والله اللحية لا تعني شيئاً، الإيمان في القلوب، نقول: صدقتَ، ولا نقول لك: إن الإيمان في اللحية، بل الإيمان في القلوب؛ ولكن للإيمان شواهد في الجوارح، ومِن شواهد الإيمان في الجوارح هذه اللحية، ولا نعني بذلك أن كل مَن ترك لحيته أصبح مؤمناً، لا.

فقد يترك الإنسان لحيته وقلبه خاوٍ من الإيمان، ونحن لا نريد اللحى الشيطانية والجاهلية، نريد لحىً مبنية على الإيمان، الغرض منها التأسي والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تقُل: لا يا شيخ! هذه قشور، والكلام في اللباب، لا.

ليس في الإيمان قشور ولا لباب، الدين كله لباب، الذي يقول: إن في الدين قشوراً ولباباً فهذا يهد الدين، وهل أمْرُ الرسول قشور؟! ليس هناك أمر للرسول إلا لباباً، صلوات الله وسلامه عليه.