جهاد النفس هذا دائم؛ لأنه مستمر، فأنت مع نفسك في جهاد، يقول الله:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت:٦٩] فلو أنك ماليتها قالت: والله لا تذهب، أنت عندك خير وأنت في خير، والحمد لله، والشيطان يزكي هذا الموضوع ولا يريدك تأتيه، لكن لو أتيت تمالي نفسك، تقول لك: هناك سمرة عند آل فلان، وهناك لعب وهناك قالت: لا تفوتك الفرصة، وجاء الشيطان وقال: ماذا عليك يا رجل؟! لكن لا تمالي النفس ولا تستشر الشيطان، وإنما إذا جاءك أي إيحاء أو وسواس يدلك على أمر خير فاعلم أنه من الله، وإذا جاءك أي إيحاء أو أي شعور على أمر شر فاعلم أنه من الشيطان.
أضرب لك مثالاً: وأنت جالس في بيتك، والمصحف أمامك، وبعد ذلك نظرت إلى المصحف وإذا لم يكن عندك شغل فرصة أن تقرأ؛ لأن في كل حرف عشر حسنات، سطر واحد فيه عشرة حروف بكم؟ بمائة حسنة، سطر واحد فيه عشرون حرفاً بكم؟ بمائتي حسنة، وأنت تحب التجارة مع الله، فمددت يدك، فلما مددت يديك وأخذته، هذا الدافع من الله، فحين تفتح وتقرأ عشرة أسطر، أو صفحة أو صفحتين، يأتيك نوع من الضيق؛ ويأتيك دافع بأن قف، أو نم، أو تكلم، أو اضحك، أو اتصل فتلك من إبليس، لا يريدك أن تقرأ.
فعندها استعذ بالله واقرأ، وكلما شعرت بأنك تريد أن تتوقف استعذ بالله، واقرأ إلى أن يأتيك أمر لا بد لك منه، مثل ماذا؟ إما أن تقوم إلى فريضة، أو إلى نوم، أو إلى طعام، أو تذهب إلى مصلحة دينية أو دنيوية، أما أن تترك المصحف وتقعد كذا، لا قراءة ولا عمل فهذه من الشيطان، فهنا جهاد النفس، تجاهد نفسك بالليل والنهار في كل وقت، تجاهدها بصلاة المغرب والعشاء والفجر مع الجماعة، وتجاهدها إذا رأيت امرأة، فتغض بصرك، وإذا سمعت نغمة أو أغنية فتصون سمعك، وتجاهدها عندما يعرض لك ريال بالحرام فلا تأكله مهما كانت حاجتك؛ لأنك تصبر على الفقر، ولا تصبر على النار، فأنت في حاجة إلى جهاد مع النفس.