إن المتأمل في فرضية الصلاة يجد أن هناك خصائص اختصت بها الصلاة: أولاً: كونها من أول ما شرع بعد التوحيد، وبعد تثبيت العقيدة جاء الأمر بالصلاة.
ثانياً: أن جميع عبادات الإسلام كلها شرعت والنبي صلى الله عليه وسلم في الأرض يتلقى تشريعها من الله عن طريق الوحي إلا الصلاة؛ فإن الصلاة لما أراد الله أن يشرعها أسرى بنبيه صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لعظمها ولجلالة قدرها، قال عز وجل:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء:١] أسرى الله برسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به من المسجد الأقصى إلى السماء حتى بلغ سدرة المنتهى.
ثم شرع الله له الصلاة وأمره بها وفرضها خمسين صلاة، بمعنى: أنها لو بقيت على الفرض الذي فرضه الله لكنا مأمورين أن نصلي في كل (نصف ساعة) صلاة، ولكن بفضل الله ورحمته وبشفقة هذا النبي صلوات الله وسلامه عليه طلب من ربه التخفيف، بعد أن شاور موسى وأخبره وقال:(إن الله قد فرض عليَّ خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فرجع فخفف الله خمساً ثم خمساً ثم خمساً حتى بقيت خمساً، وخفف خمساً وأربعين صلاة؛ فلما وصل إلى موسى قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: يا موسى! قد سألت حتى استحييت من ربي، قال الله عز وجل: إني قضيت وقضائي لا يرد هي خمسٌ في العدد وخمسون في الأجر).
اللهم لك الحمد يا ربي، أي: كان المنطق أنه إذا خفف خمساً وأربعين أو بقى خمساً رحمة من الله يعطينا أجر الخمس وكَثُرَ خير الله وطاب، ولكن الله عز وجل كريم فقد حذف خمساً وأربعين وجعل ثوابها قائماً مع ثواب الخمس وأصبح لك مع الخمس خمسين صلاة، كأنك إذا صليت خمس صلوات تصلي خمسين صلاة.
ففرضها الله عز وجل في السماء وهي خاصية لها تميزت بها عن جميع شرائع الإسلام.