لقد جعل الإسلام من مسئوليات الرجل وهو يبدأ في تكوين اللبنة الأولى من لبنات المجتمع -جعل من مسئوليته أن يحسن اختيار الزوجة؛ لأن سوء الاختيار يجعل الإنسان يعيش المشكلة من أساسها، فهو لم يعرف كيف يختار شريكة حياته، ورفيقة دربه، وأم ولده، في هذه الحياة، أو أنه وضع لاختياره معايير ليست شرعية، معايير تحكمها الأهواء والرغبات والمتع والنزوات، أو التصلب في الأفكار والآراء، ونسي الجوهر الذي أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، والاختيار يأتي من الذكر وأيضاً للمرأة في الشرع حق الاختيار وإبداء الرأي في من تقبل أن يكون شريكاً لها، إذ ليس للولي من الناحية الشرعية حق في أن يفرض على موليته زوجاً لا تريده، وتعبر عن رأيها في عدم رغبتها فيه، إذ أن الحياة الزوجية بناء، وهذا البناء لا يقام إلا على أساس من الرضا، والقبول، والقناعة، والفهم لكل طرفٍ من أطراف الزواج.
فبالنسبة للرجل: يضع الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ ومنهجاً في اختيار الزوجة؛ إذ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي في صحيح البخاري:(تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها)، هذه اهتمامات الناس، حينما يريدون الزواج من أي امرأة لا يسأل أحدهم إلا عن هذه الأربع، ويغلب بعضهم جانباً على جانب آخر، وبعضهم يهمل جانباً ويهتم بآخر، أما المؤمن والرجل الرباني الذي يريد أن يقيم الأسرة على أساس سليم فيبحث عن الأربع كاملة، ثم يركز على الأخيرة؛ لأنها الجوهر، ولا مانع من الاهتمام بأن تكون المرأة جميلة، وأن تكون ذات مال، وأن تكون ذات حسب، لكن إذا لم تجد الجمال، ولم تجد المال، ولم تجد الحسب، ووجدت الدين فاظفر بذات الدين، قال عليه الصلاة والسلام:(تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم على من لم يجعل في تقديره واهتمامه الرغبة في المرأة المتدينة، دعا عليه بأن تمتلئ يداه بالتراب، (تربت يداه) أي: ما معه إلا تراب من زوجته؛ لأنه خسر ذات الدين.
وبالنسبة للمرأة أيضاً: يقول النبي صلى الله عليه وسلم للأولياء، وهم الذين لديهم الصلاحيات في قبول الزوج، وفي عرضه على المرأة، وفي إبرام العقد، إذ لا نكاح إلا بولي، وليس من فرقٍ بين الزواج والزنا إلا الولي، إذ أن الحرة لا تزوج نفسها، ولا يزوجها إلا وليها، ولكن التي تزوج نفسها هي الزانية، تبيح نفسها لغيرها، فلا نكاح إلا بولي، وإذا عدم الولي فينتقل إلى الذي بعده في الولاية.
والولي بالنسبة للمرأة: الأب، فإن عدم فالابن، فإن عدم فالأخ الشقيق، فإن عدم فالأخ لأب وهكذا، كالولاية وكالقربى في الوراثة، وإذا لم يوجد ولي للمرأة وكانت مقطوعة لا ولد ولا والد ولا أخ ولا عصبة ولا لها أي قريب، انتقلت الولاية للحاكم الشرعي، فإن الشرع والقاضي ولي من لا ولي له، تذهب إلى القاضي فتقول: أنا امرأة لا ولي لي فزوجني.
فيزوجها بمن يرضى لها دينه وأمانته يقول عليه الصلاة والسلام:(إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، انظروا المعيار الدقيق، من ترضون أمرين: الدين والخلق، ثم قال:(إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
فإذا قامت الأسرة على هذا الأساس امرأة متدينة ورجل متدين، والتقوا على كتاب الله، وحصل بينهم التفاهم من أول ليلة على أن المنهج الذين يسيرون عليه والذي يحكم حياتهم الزوجية هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن المشاكل ستكون قليلة، إذ لا يمكن أصلاً أن تنعدم المشاكل، بعض الناس يتصور أنه يمكن أن تكون هناك حياة زوجية من غير مشاكل، وهذا مستحيل! حتى في أكرم البيوت وأعظمها على الإطلاق، بيت النبوة بيت محمد بن عبد الله خير البشر وسيد ولد آدم، كان يحصل بعض المشاكل من قبل الزوجات مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كان يعالجها بالأسلوب الشرعي المثالي في أعلى درجات الكمال صلوات ربي وسلامه عليه، لكن المشاكل في البيت المؤمن الذي أقيمت دعائمه وأسست أركانه على تقوى من الله وبرهان، وعلى قناعة ورضا وحسن اختيار من قبل الزوج ومن قبل الزوجة؛ تكون المشاكل قليلة، وأيضاً نسبتها محدودة، ونوعيتها طفيفة.