الذي يصلي جميع الفروض في البيت ولا يصلي في المسجد هذا والعياذ بالله على خطرٍ عظيم، وقد قال بعض أهل العلم بأن صلاته غير صحيحة، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد ذكر في الاختيارات الفقهية أن صلاة الجماعة شرطٌ في صحة الصلاة، ووضح الأحاديث التي في الصحيحين أن صلاة الرجل مع الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبعٍ وعشرين درجة، فقال بعض أهل العلم: ما دام أن صلاة الإنسان في بيته بدرجة فإنها مقبولة، قال: لا.
إن المفاضلة هنا بسبعة وعشرين درجة، ودرجة لمن صلى في البيت لعذر، صلى في البيت لإنه كان نائماً، أو صلى في البيت لأنه كان مريضاً، أو صلى في البيت لأنه كان خائفاً، فهذا له درجة، أما من صلى في المسجد فله سبعة وعشرون درجة، وليس هناك مجال للمفاضلة بين ما هو واجب وبين ما هو محرم؛ لأن علماء الأصول يقولون: المفاضلة بين الأمور المستوية بالحكم، أو تفاضل في الواجبات، أو تفاضل في المستحبات، تفاضل في المسنونات، أما تفاضل بين واجب ومحرم فلا.
فالواجب هو إتيان الصلاة في المسجد، والمحرم هو إتيان الصلاة في البيت، فلا يمكن أن نقول: إن صاحب المحرّم له درجة، وصاحب الواجب له سبعة وعشرون درجة، فالذي لا يصلي جميع الفروض في المسجد فهذا عطل سنة الله، والحديث في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:(من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث يُنادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق).
والله عَزَّ وَجَلّ يقول:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[البقرة:٤٣] أي: مع المصلين، ويقول عَزَّ وَجَلّ:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}[النور:٣٦] * {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور:٣٧] * {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[النور:٣٨] ويقول الله عَزَّ وَجَلَ حكايةً عن أهل النار حينما يسألهم أهل الجنة: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}[المدثر:٤٢] * {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}[المدثر:٤٣].
يقول المفسرون: يمكن أنهم كانوا يصلون ولكن لم يكونوا مع المصلين، فلا ينبغي لمسلم يخاف الله أَلا يصلي الفريضة إلا في المسجد، وإلا لماذا بنيت المساجد؟ وحديث الأعمى في الصحيحين:(قال: يا رسول الله! إني رجل أعمى شاسع الدار -أي: بعيد- ليس لي قائد يقودني، والمدينة كثيرة الهوام والسباع، فهل أجد رخصة أصلي في بيتي، قال: أتسمع النداء قال: نعم.
قال: أجب، فلا أجد لك رخصة) من يقوده؟ ومن يمنعه؟ فكيف تصلي في بيتك والمساجد تحيط بك من كل جانب، وتسمع النداء يخرق أذنك من كل مأذنة والشوارع مزفلتة ومضاءة كأنك تخرج في النهار ولست بأعمى، وأنت شابع في بطنك، آمن في وطنك، معافى في جسدك، تقوم من غرفتك إلى حمامك الماء حار تغسل في إناء نظيف تلبس من أحسن الملابس تخرج إلى المسجد فهل لك عذر أن تصلي في البيت؟ إذا كان الله لم يعذر هذا الأعمى ولا رسوله فكيف يعذرك إلا النفاق؟ أما المنافق: فلا يريد الصلاة في المسجد ولكنهم جنوا على أنفسهم يوم القيامة، سوف يندم ندامة لا يمكن أن يخرج منها والعياذ بالله.