للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أساليب الشيطان في إضلال الإنسان]

تبدأ الصراعات مع العدو اللدود، العدو الأول: الشيطان.

وسوف أذكر لكم الآيات التي وردت في سورة الأعراف كاملة ليتبين لك وجه عداوة الشيطان! وكيف يأتيكَ! وما هو أسلوبه في إضلال الإنسان! يقول ربنا عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:١١].

ولهذا انظروا إلى الطائعين وانظروا إلى العصاة، فالملائكة كلهم أطاعوا وسجدوا فماذا حصل لهم بطاعتهم؟! مكثوا ملائكة مقربين يسبحون له الليل والنهار لا يفترون.

إبليس كان من طائفة من طوائف الملائكة اسمها: طائفة الجن، لم يسجد، وعصى، ماذا حصل له؟! الطرد والإبعاد، واللعنة والعذاب، والدمار إلى أبد الآبدين.

وهكذا الطائع في الدنيا من بني آدم له القربى والزلفى، والحب والتوفيق، والهداية والولاية، وكل خير في الدنيا والآخرة.

والعاصي ماذا يجد؟! الغضب والطرد، واللعن والتدمير في الدنيا والآخرة.

فعاقبة الطاعة في صالح الإنسان على كل الاتجاهات، وعاقبة المعصية ضدك أيها الإنسان في كل الأحوال، يقول الله عز وجل: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:١١].

يقول المفسرون: إن الله عز وجل لم يطرد إبليس لمجرد أنه لم يسجد، فعندما قال له: اسجد، فأبى لم يطرده مباشرة وقال: اخرج؛ لأنك ما سجدت؛ ولكن الله سأله وهو يعلم ليقرره على فعله: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف:١٢] ما الذي منعك من السجود مع الملائكة؟ {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢]، يقول العلماء: إن هذا -كما يسمونه- الكفر الإبليسي، وهو تخطئة الرب، وتصويب العبد، أي: كأن إبليس يقول: إن أمرك يا رب أمر غير صحيح؛ لأنك تأمرني وأنا الفاضل بالسجود للمفضول.

وهذا غلط، فالله عز وجل لما خطأه إبليس؛ قال له عز وجل: {فَاهْبِطْ مِنْهَا} [الأعراف:١٣] مباشرةً: {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [الأعراف:١٣].

{قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف:١٤ - ١٥] انظروا الانتقام والعداوة والحسد: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف:١٦] يقول: ما دمت أغويتني وأخرجتني من الجنة، وكتبت عليَّ اللعنة، من أجل هذا سأريك في ذرية آدم: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:١٦] يقول: أنا سأخرج؛ ولكن سأقعد لهم على الطريق، أي: على طريق الإسلام والدين، وما قال: سأقعد لهم على طريق الضلال، لا؛ لأن أهل الضلال قد أصبحوا صَحْبَه معه، مقيدين له، ولهذا الذي يزني، هل يأتيه الشيطان ويقول له: لا تزنِ، هذا عيب عليك وحرام؟! لا.

بل يقول: امشِ يا رجل! اليوم دنيا وغداً آخرة، كذلك الذي يشرب الخمر، والذي يعمل أي جريمة، لا يأتي الشيطان إليه ليحاول أن يرده عنها؛ لكن الذي يصلي يثقل الشيطان عليه الصلاة، والذي يزكي يعظم عليه الزكاة، والذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يخوفه الشيطان، لماذا؟! لأن هذا من أعمال أهل صراط الله المستقيم، والشيطان قاعد عليه: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ} [الأعراف:١٦ - ١٧] انظروا من أين يأتي الشيطان! أعوذ بالله! {لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} [الأعراف:١٧] أي: من الأمام {وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف:١٧] محاصَرة من جميع الطرق والاتجاهات، من أمامك الشيطان يوسوس، ومن ورائك الشيطان يوسوس ويدفع، وعن يمينك شيطان، وعن يسارك شيطان، إذاً أين تذهب؟! إلى الله، وما قال إبليس: ومن فوقهم؟! لا يستطيع، ولهذا قال الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:٥٠] أي: إذا حاربك الشيطان من كل اتجاه وما استطعت عليه ففر إلى الله، يقول الله عز وجل في شأن الشيطان: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:٤٢].

وقال عز وجل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:٩٩ - ١٠٠].

فبين الله عز وجل أن الشيطان قال: {لَآتِيَنَّهُمْ} [الأعراف:١٧]، وهذا الكلام مؤكد بعدة مؤكدات: بلام التوكيد وبنون التوكيد المثقلة المشدودة.

{مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:١٧] يقول: يا ربِّ! هؤلاء الذين أخرجتني بسببهم سوف أضلهم، وأستحوذ على أكثرهم، ولن تجد أكثرهم من الشاكرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سبأ:٢٠] أي: أنهم صدقوا ظن إبليس فيهم: {فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:٢٠].

قال الله عز وجل: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:١٨] كأنه يتحدى الله ويقول: سوف أُرِيك فيهم! قال: اخرج، والذي يتبعك أنت وهم: {لَأَمْلَأَنَّ} [الأعراف:١٨] آخذكم كلكم في جهنم، الشيطان ومن تبعه، ليس هناك تحدٍّ، اذهب فأنا سأرسل لهم وسأنبههم وأخبرهم، ولكن إذا لم يريدوا إلا أن يتبعوا الشيطان فجهنم مستودع ومثوى الجميع من الشياطين وأتباعهم، وانظروا مبدأ التحدي هنا، يقول الله عز وجل لإبليس حين قال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} [الأعراف:١٦]، و {لَآتِيَنَّهُمْ} [الأعراف:١٧]، قال عز وجل: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:١٨].