[فضل أبي بكر وجهده في الدعوة إلى الله]
قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت) هذا الحديث رواه البخاري، وهو كالنص على أنه أول من أسلم؛ لأن سبب الحديث حصول خلاف بسيط، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكيه، فقال: (يا عمر! إن الله بعثني نبياً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت) وقال عليه الصلاة والسلام: (ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد)، أي: يقدم رجلاً ويؤخر أخرى (إلا أبا بكر ما تردد حين ذكرت الإسلام له) بل قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ذكره ابن إسحاق في السير والمغازي.
وفي إطار هذه السرية التي كانت تحيط بالدعوة في بدايتها، تحرك كل واحد من هؤلاء الذين أسلموا في الوسط الذي يحيط به، فتحرك أبو بكر الصديق وكانت له أبرز حركة؛ لأنه صاحب نفوذ وصاحب مال وصاحب شخصية، له شخصية مرموقة، وله وقار وهيبة، فتحرك في أقاربه وفي أصدقائه، واستجاب له نفر كريم من الصحابة الكرام منهم ستة من العشرة المبشرين بالجنة، أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وهم: - عثمان بن عفان، الخليفة الراشد الثالث رضي الله عنه وأرضاه.
- الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه.
- طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه.
- سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه.
- عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه.
- عثمان بن مضعون رضي الله عنه وأرضاه.
- أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه.
- أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه وأرضاه.
الله أكبر! كل هؤلاء إنتاج أبي بكر، ما أعظم هذا الرجل! كيف كان يؤثر بهذا القدر وبهذه الضخامة! لأنه كان صادقاً، ودائماً الصادق في عمله الذي يؤديه بصدق له تأثير وله خصوصية في فتح قلوب الناس، دائماً كلما كنت صادقاً وصاحب صدق مع الله يجعل الله في عملك بركة، ويضاعف لك الثواب؛ لأنك صادق وجاد، وهكذا كان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه.
ومن خلال هؤلاء الكرام الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق أخذ الإسلام ينتشر في مكة وفي خارج مكة، ودخل في الإسلام أناس كثير من بطون قريش ومن مواليها خاصة، وأتباع الرسل دائماً من المستضعفين والموالي؛ لأنهم يجدون في الدين ما يعيد لهم شيئاً من حريتهم وكرامتهم وعزهم، أما أصحاب العظمة وأصحاب المال وأصحاب المكانة، فإنهم يترددون في قبول الدين؛ لأنه يردهم إلى مكانهم الصحيح، وهم يريدون أن يمارسوا الطغيان والتسلط، والكبرياء والغطرسة على الضعفاء، فإذا جاء الإسلام، وقال: الناس سواسية، رفضوا هذا، إلا من كان منصفاً منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وممن اشتهروا بين السابقين في الإسلام من الموالي: بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه، وقد أسلم على يد أبي بكر، وصهيب بن سنان، وعمار بن ياسر ووالده ياسر وأمه سمية بنت خياط، هؤلاء من الموالي الذين أسلموا في بداية الدعوة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي فترة وجيزة وصل عدد الذين سبقوا إلى الإسلام من بطون قريش إلى أكثر من خمسين نفراً في فترة يسيرة، مع الحركة المنظمة المرتبة، التي كانت تحمل الإخلاص من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قبل أبي بكر الصديق، ومن قبل خديجة، ومن قبل الصحابة الذين أسلموا في البداية، انتشر الإسلام قليلاً حتى أصبحوا أكثر من خمسين رجلاً.
وقد ثبت أن ورقة بن نوفل الذي ذكرنا أنه ابن عم خديجة في الدروس الأولى، جاءت إليه خديجة لتخبره بما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم، وثبت أنه أسلم وكان من المسلمين الأول، وذلك بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيته وعليه ثياب بيض، فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بيض) رواه أحمد في المسند، وعلق عليه صاحب الفتح الرباني وصحح إسناده، وقال صلى الله عليه وسلم في روايه أخرى: (رأيته وعليه ثياب بيض في بطنان الجنة وعليه السندس) رواه ابن كثير وحسنه أبو يعلى في الطبقات، وقال: (لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين) وقال عليه الصلاة والسلام: (يبعث ورقة يوم القيامة أمة وحده) فكل هذه الأدلة تدل على أن الرجل مات مسلماً.