للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستدلال بحدوث النشأة الثانية من حدوث الأولى]

الاستدلال على وقوع وإمكان النشأة الثانية بالأولى، أي: ذكر الله في القرآن الكريم أدلة على أن النشأة الأخرى ستكون بناءاً على وقوع النشأة الأولى، فنحن نشاهد في كل يوم خلقاً جديداً؛ أطفال يولدون، من خلقهم؟ اسأل الآن من الذي خلق هذا الولد؟ سبحان الله! حتى الأطباء يقولون: يضعه الأب نطفة وتستقبله الأم عن طريق بويضة، ويحصل اللقاح بين البويضة وهذه النطفة؛ والنطفة حيوان منوي صغير يدخل في هذه البويضة وتغلق عليه، ثم تطرد الحيوانات المنوية الأخرى فتموت، وبعد ذلك: من علم عنه في تلك الظلمات؟ ومن رباه؟ وبعد ذلك يبقى أربعين يوماً كما هو نطفة، وبعد أربعين يوماً يتحول إلى علقة، وبعد أربعين يوماً يتحول إلى مضغة، وبعد أربعين يوماً يتحول إلى عظام -هيكل عظمي كامل- ثم ينشئه الله خلقاً آخر؛ ثم يكسوا الله العظام لحماً، وبعد ذلك يبدأ في النمو وهكذا يكون عظاماً كاملة لا ينقصه عظم إلا الأسنان: الجمجمة موجود، والعمود الفقري موجود، والأضلاع موجودة.

أنا رأيت جنيناً صغيراً في مختبر في مستشفى من مستشفيات المملكة أضلاعه مثل الدبابيس، يقول: خرج في بداية الشهر الخامس، وبعد ذلك أخذوه إلى التشريح وفصلوا اللحم منه، فإذا عظامه هيكل عظمي كامل لا ينقصه إلا الأسنان؛ الأسنان لم تطلع؛ لعدم أهميتها في بداية حياة الطفل فالله أخرها، وتطلع بعد ذلك عندما يأكل، أما الآن فطعامه سوائل فلا داعي للأسنان، وبعد ذلك هل سمعتم واحداً في الدنيا طلعت له أسنان؟ أبداً.

لا يوجد، بينما الصغير يولد تجد معه قدرة على المص، وتجد (الكتكوت) يخرج من البيضة، ومباشرة تجده يقف على قدميه ويبحث عن حب ويأكل، لكن الطفل الصغير لا يستطيع أن يأكل ولا يستطيع أن يهضم، إذاً ليس عنده أسنان، ماذا عنده؟ عنده فم، وعندما تعطيه ثدي أمه يرضع مباشرة.

هذه الأضلاع وهذا العظم.

وبعد ذلك يبدأ الولد في النمو المتوازن سواء بسواء؛ الضلع الذي هنا يطلع مثل الضلع الذي هنا، واليد التي هنا مثل اليد التي هنا، والرجل التي هنا مثل الرجل التي هنا، والعين هذه تطلع مع العين هذه، سواء بسواء، خلايا متوازنة! كل شيء في مكانه! سبحان الله الذي لا إله إلا هو!! فالذي خلق هذا الخلق هو الذي نراه كل يوم يحدث، كل يوم يأتي لنا ولد أو بنت كذلك، وقد سألني أحد الإخوة بالأمس سؤالاً، يقول: حديث سأله عنه أحد الناس يسأل عن صحته وهو حديث: (إن خير الأمة من تبكر ببنت) يقول: هل هذا حديث صحيح؟ قلت: لا.

ليس بصحيح وليس من مشكاة النبوة، الخيرية لا تكتسب بأنثى أو ذكر، الخيرية تحصل عليها أنت بفعلك وعملك وجدك واجتهادك وإيمانك، فقد ترزق بنتاً ولا تكون من خير الناس، وقد ترزق ولداً ولا تكون من خير الناس، لكن الخيرية بجهادك، أما الولد والبنت فهي بمشيئة الله تعالى، يقول الله عز وجل: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:٤٩ - ٥٠] والقضية ليست بالرجل ولا بالمرأة.

من الذي يحدد نسبة البنات والأولاد في الشعوب والأمم؟ لا أحد يحدد أبداً، ولا يستطيع أحد أن يحدد، ولو حدده الناس وترك للأب أن يختار لكان كل واحد يقول: أريد رجالاً، أريد أن أتفاءل برجال، وذاك يريد رجالاً وكثر الرجال.

من أين لهم نسوة؟ ثم بعد ذلك ماتوا وانقرض الجنس البشري لكن لا.

أنت يأتي لك أولاد وذاك يأتي له بنات، وقد تكون البنت هذه أبرك من بعض الرجال، لا تظن أن البنت إذا جاءت بأنك تنهزم! لا يا أخي.

هذه ظنون جاهلية؛ الجاهليون الذين كانوا لا يؤمنون بالله كانوا إذا جاءتهم البنت تهتز قلوبهم.

قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} [النحل:٥٨ - ٥٩] لا يا أخي: إن الله عز وجل هو الذي يضع البركة في البنت والولد، ورب امرأة كانت أبرك من مئات وعشرات من الرجال! ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالخلق يتم والأولاد يولدون كل يوم، وبعد ذلك يرى الإنسان هذا بأم عينيه؛ ثم هو ينكر أن الله قادر على أن يحيي الناس مرة أخرى! إن الذي خلق قادر غير عاجز على أن يعيد، سبحان الله! إن الذين يطلبون دليلاً على البعث بعد الموت يغفلون عن خلقهم الأول، فالقادر على خلقهم أول مرة قادرٌ على إعادة خلقهم مرة ثانية، وقد أكثر الله عز وجل من الاستدلال على النشأة الآخرة بالنشأة الأولى، وتذكير العباد الذين يستبعدون إمكان وقوع البعث بعد الموت بذلك، يقول الله عز وجل في نقاشٍ عقلي منطقي في سورة مريم: {وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} [مريم:٦٦] قال الله: {أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} [مريم:٦٧] ثم يقسم الله تعالى ويقول: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} [مريم:٦٨] يقسم الله تبارك وتعالى أنه سوف يحشر هؤلاء وكل شيطان متمرد على أمر الله.

وأيضاً يقول الله تبارك وتعالى وهو يذكر في القرآن الكريم أبانا آدم أن الله خلقه من تراب، فالقادر على جعل التراب بشراً سوياً لا يعجزه أن يعيد البشر بشراً سوياً.

عندما تأتي شخصاً بنى له بيتاً من الحجارة ثم جاء وهدها، هل تقول: لا تقدر على أن تبنيها مرة ثانية؟ لا.

الذي بدأ قادر على الإعادة؛ لأن الإعادة أسهل من البداءة، وإلا فإن الله عز وجل لا يعجزه شيء، كل شيء سهل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:٥ - ٧].

وقد أمر الله الناس بالسير في الأرض، والتذكر لما سيكون فيها، والنظر إلى كيفية بدء الخلق فيها، يقول الله تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت:١٩ - ٢٠] وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم:٢٧] كلمة: (أهون عليه) هذه في البشر، لكن له المثل الأعلى، فكل شيء هين على الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم:٢٧] فكما خلق فهو قادر على أن يعيد، إذ لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.