الإيحاء الثاني من رمضان: أن من أهدافه الانتصار على النفس، والاستعلاء على النزوات، بحيث تتهذب أخلاق المسلم، ويصبح خلقه خلقاً إسلامياً رفيعاً لا يغضب ولو استثير نعم.
ولو استثير لماذا؟ لأنه صائم، ولهذا جاء في الحديث:(فإن سابه أحد فليقل: إني صائم) أي: أنا صائم وأستطيع أن أنتصر على الشهوات، وأن أرتفع عن كل هذه الأشياء، وبعد ذلك أهتم بنفسي فأهذبها، فبالتالي لو أن شخصاً أتاني يريد أن أغضب وأنا صائم، لا، بل أقول له: أنا صائم، والله لا أقدر أن أنزل معك في الإساءة، وأنا أتدرب على الخلق الرفيع لِمَ؟ لأني متحرر عن شهوات النفس، مستعلٍ على الأخلاق الرديئة، لكن الذي حصل اليوم أن أخلاق الناس -إلا من رحم الله- تسوء وتفسد في رمضان، فلا تسمع المضاربات والمشاكل والخصومات، وثوران الأعصاب وحدة التصرفات إلا في رمضان، وإذا جئت إليه وجدته غضبان ومتلفعاً بعمامته، وإذا جئت تقول له: ماذا فيك؟ قال لك: اذهب امش من عندي، ابحث لك عن عمل، رمضان كريم هي منتهية إلى هنا، لماذا هي منتهية؟ من أجل أن بطنه فارغة، سبحان الله! مسكين هذا، هذا عبد بطنه؛ إذا امتلأت بطنه ضحك واستراح وتخلق مع الناس، وإذا فرغت بطنه ثار وغضب، لا يا أخي! لست عبد بطنك، ولا عبد شهوتك، إنك عبد مولاك وخالقك، والذي خلقك يريد منك أن تتهذب بالأخلاق الإسلامية، وأن تستعلي على النفس وشهواتها وآفاتها، ومن أعظم آفاتها الغضب، فلا تغضب وأنت صائم، حتى ولو استثارك شخص، نعم.
قد تكون مديراً أو موظفاً أو رئيس قسم، ويأتيك مراجع من المراجعين وهو غضبان بسبب أن معاملته تأخرت، فيقول: أنتم ليس فيكم خير، موظفوكم يلعبون، لا يأتون إلا الساعة الحادية عشرة، يبدأ العمل من الساعة العاشرة وهم يأتون الساعة الحادية عشرة، ويأتون ليناموا على المنضدة، ومعاملتي ضائعة، وأنا لي أسبوع وأنا آتي، فماذا عليك أن تقول لهذا المراجع؟: صدقت بارك الله فيك جزاك الله خيراً أبشر ولا يهمك هل عندك رقم؟ لا.
ليس عندي رقم، أعطيتموني سبعين رقماً وضيعتها من كثرة الأرقام، أبشر أنا أعطيك الرقم، وتقوم معه إلى (الإرشيف) أو الوارد وتخرج له المعاملة، وتذهب إلى غير واحد حتى تقضي حاجته وأنت تبتسم، لماذا؟ لأن الإسلام والصيام هذب أخلاقك، لكن الذي يحصل الآن أنه لو أتى شخص بهذا الأسلوب فيا ويله! يقول له: لا تدخل عندي، وشخص ثان يقول: لا تدخل بعد الصلاة أيضاً، لماذا؟ قال: إني صائم، واعلم أني في قمة الغضب، سألقيها في وجهك، إذا أردت أن تعطيها فتعال في الفطر إن شاء الله، عندما يكون الشخص مفطراً يأكل ويشرب ويدخن وهو مستريح، أما الآن فليس عنده دخان ولا عنده شاهي، فالغضب قد بلغ الذروة، لا، ليس هذا مراد الإسلام من الصيام، إن هدف الصيام تهذيب الأخلاق، حتى ولو أن شخصاً أراد منك أن تغضب، فإنك تترفع وتقول: إني صائم.