[الزكاة أحكامها ومصارفها]
هناك مسألة مهمة جداً ينبغي أن تسبق قضية الإنفاق التطوعي، وهي قضية: إخراج الزكاة، فإن الزكاة ركن من أركان الدين، قرنها الله عز وجل بالصلاة في كل القرآن؛ لأن الصلاة عبادة بدنية قد يسهل على الإنسان أن يؤديها، لكن الزكاة عبادة مالية قد يصعب على الإنسان أن يدفعها، ولهذا فرضها الله سبحانه وتعالى وقرنها بالصلاة وسماها طهرة للمال، قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة:١٠٣] كأنهم متلوثون متنجسون في الدنيا، فإذا أخرجوا الزكاة طهرت أموالهم، وزكت أرواحهم، وأصبح إيمانهم قوياً بالله، لكن يوم أن يمنعوا الزكاة تتلوث قلوبهم وأموالهم؛ لأنهم عاشوا حياة الكفار، فالكافر لا يعطي شيئاً، وأنت تريد أن تكون مثله لا تدفع شيئاً حتى الزكاة، فلا بد من إخراج الزكاة أيها الإخوة! ولهذا قاتل أبو بكر الصديق مانعي الزكاة، وقال: [والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة] ولما أراد قتالهم قال عمر: [كيف تقاتلهم وقد شهدوا أن لا إله إلا الله؟ قال: إلا بحقها -وحقها الزكاة- والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كان يؤدونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه] أي: كان يأتي صاحب المال بالفريضة ومعها العقال من أجل أن لا تفر، يقول: والله لو أتوا بالفريضة فقط ومنعوا العقال لأقاتلنهم عليه.
وهذا دليل على أنك لو كنت صاحب أعمال أن تتحرى الجرد في كل أموالك، ولا تخرج الزكاة بالتخمين، لأن بعض الناس يخرج بالتخمين، يأتي عند الدكان أو البقالة ويقول: نخمن، ما استطعنا أن نجرد.
وخمن، لو خمنت سوف تنقص لأن نفسيتك ناقصة، فلا تقبل إلا الجرد الكامل، لو أخرجت الزكاة كلها إلا ريالاً واحداً ما أخرجت الزكاة، مثلاً: زكاتك على ألف الألف ألفان ونصف، فأخرجت ألفي ريال وبقي عليك خمسمائة، أو أخرجتَ ألفين وأربعمائة وبقي عليك مائة، أو أخرجت ألفين وأربعمائة وتسعة وتسعين وبقي عليك ريال، فنقصُ ريال مثل نقص مليون.
مثل المصلي إذا صلى صلاة العشاء أربع ركعات ولم يبقَ إلا أن يسلم لكنه لم يسلم، وقام، ما هو حكم صلاته؟ باطلة؛ لأن التسليم ركن، كذلك الزكاة، لا بد أن تخرجها بعد أن تجرد مالك حتى تكون صحيحة مائة في المائة.
وإذا أردت أن تخرج الزكاة فليس على مزاجك! فإن الله تولى تقسيم الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة، وما وكلها حتى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لعلم الله أن هناك تلاعباً وأهواء، مثلما هو حاصل الآن، أكثر الزكاة تذهب لغير المستحقين، فترى أحد التجار يرسل مائتي ألف أو ثلاثمائة ألف أو أربعمائة ألف ويقول: قسموها بمعرفتكم.
يعني: على مزاجكم! على من تضحك؟! ومن تخادع؟ أنت وزع زكاتك بنفسك، أو من تثق به ممن عرف بالدين، أو هيئة متخصصة في أخذ هذه الأموال ووضعها في المصارف الشرعية {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:٦٠] ثمانية أصناف إذا صُرِفَتْ الزكاة على غير هؤلاء لم يسقط الواجب، وبقيت الزكاة في ذمتك معلقة، إن الله لا يقبل إلا ما خرج وفق شرعه وكان خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى.
وهناك -أيها الإخوة- مؤسسات وفق الله سبحانه وتعالى القائمين عليها للقيام بواجب الدلالة على الخير، وتشكل بهذا جسوراً بين المؤمنين المحسنين من رجال الأعمال، وبين المستحقين من الفقراء والمساكين، في داخل المملكة وخارجها، كما تقوم أيضاً بالدلالة على الأعمال الدعوية المتعددة، والفرص الخيرية المتاحة: كبناء المساجد، وتشييد المدارس والمعاهد، وحفر الآبار، وكفالة المدرسين، وطبع الكتب والأشرطة وتوزيعها، ومن أبرز هذه المؤسسات الموجودة في المملكة والحمد لله مؤسسة الحرمين الخيرية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهيئة الإغاثة العالمية الإسلامية، ولجنة توزيع الكتب الدينية التي توزع على الحجاج والمعتمرين والتي يشرف عليها فضيلة الشيخ طلال حفظه الله، والذي قام بهذا الدور العظيم الذي كان الناس في غفلة عنه، يأتي حجاج من بلاد أخرى مساكين لا يعرفون شيئاً، ويحجون ويرجعون وما عرفوا شيئاً عن الحج، فقام بدور عظيم وهو طباعة الكتب الإرشادية باثنتين وعشرين لغة، جميع اللغات التي يتكلم بها الحجاج المسلمون، والحاج ينزل من الميناء أو من الطائرة فيستلم كتاباً بلغته كيف تحج فيذهب ليحج على بصيرة، ثم يعيش فترة الحج وهو يقرأ.
ثم إذا أخذ يودع البلاد المقدسة أعطوه كتباً (هدية الحاج) ثلاثة كتب بلغته: كتاب في العقيدة، كتاب في العبادة، كتاب في الأخلاق، ويقدر عدد هذه الكتب في العام الماضي بخمسة ملايين كتاب، ما معنى خمسة ملايين كتاب؟ يعني خمسة ملايين أسرة يدخلها هذا الكتاب.
بل يخبرني أحد المشايخ فيقول: صار الحجاج ينسخونها الآن في بلادهم ويطبعونها ويوزعونها على بعضهم.
هذا عمل عظيم وخير عَمِيْم، ولذا فإن دعم مثل هذا العمل الخيري له أجر عظيم عند الله، هذا عمل دعوي مائة في المائة، لا يوجد إغاثة، لأنهم لا يشترون أرزاً ولا شيئاً وإنما يشترون كتباً ويوزعون أشرطةً، بل الآن عندهم مشروع الشريط القرآني بريال! ومشروع كتاب بريال! فأنت عندما تضع عشرة آلاف ريال ويشترى لك عشرة آلاف شريط جزء عم للشيخ سعود الشريم والشيخ عبد الرحمن السديس وترسلها خارج المملكة يحصل الخير الكثير.
نحن في بلادنا هنا لا نحس بقيمة العلماء؛ لأن (كثرة الإمساس تذهب الإحساس) لكن في بلدان المسلمين الأخرى هناك ألف مليون مسلم مبعثرون على وجه الأرض إذا سمعوا هذا الكلام تتقطع قلوبهم شوقاً إلى الحرمين الشريفين؛ لأن هذه الأصوات تذكرهم بـ مكة، فإذا سمع أحدهم شريطاً يسمعه وكأنك أهديته الدنيا كلها، وبريال! ريال (البيبسي) وريال الماء الذي ترميه، يا إخواني! مجالات عظيمة تتاح لنا ولكن نحن في غفلة عنها! هذه -أيها الإخوة- الأمور التي يمكن -إن شاء الله- لرجال الأعمال أن يستعينوا بها في مباشرة عملهم الرائد ودورهم البارز في خدمة هذا الدين، ولا نكون -أيها الإخوة- أقل حالاً من تجار النصارى واليهود، فإن عملية التنصير قائمة الآن على قدم وساق في العالم كله، مدعومة برءوس أموال التجار النصارى، يرسلون البعثات التنصيرية في دول أفريقيا، وآسيا، والأرض كلها، يحملون معهم الأدوية والأغذية والمال والكتب والأناجيل، وينشرون بين الناس دعوةً للباطل والكفر.
ورجال الإسلام الذين عندهم مال لماذا لا ينفقونه؟ فإذا كان صاحب الباطل ينشط في باطله أفلا ينشط صاحب الحق في حقه؟