[الكبر]
المعوق الرابع: الكِبْر: الكبرياء، إذا قلت للمتكبر: تعال قال: لا.
أنا شخصية، إذا جئت وأنا شخصية، فربما يجلس بجانبي فقير أو جندي أو فرَّاش، وأنا شخصية، فكيف يكون هذا؟! أََأُسْقِط اعتباري، ستذوب شخصيتي؟! لا لا، إلا إذا كان المجلس كله شخصيات فإنني سآتي.
أتدرون من قال هذا التعبير؟ قاله كفار قريش، قالوا للرسول: لا نجلس معك وعندك هؤلاء العبيد، فأبعد من المجلس بلالاً وسلمان وصهيباً لا نجلس معهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يخصص لهؤلاء جلسة ولهؤلاء جلسة؛ لكن جاء التصريح من الله، قال الله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:٢٨] وهؤلاء هم الضعفاء (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨] مفروطة عليه، ضال -والعياذ بالله-، أضله الله، وأموره كلها مَفْلُوتة، فلا تطعه، بل اجلس مع هؤلاء المؤمنين.
فالكبرياء مانع من موانع الهداية، لماذا؟ قال الله: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:١٤٦].
الكبرياء، انتبه! لا تتكبر على الله، اجلس في مجالس الذكر، ولو كنتَ عظيماً، ولو كنتَ مديراً، ولو كنتَ وزيراً، ولو كنتَ ثرياً، فأنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ عظيماً، أنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ مديراً، أنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ وزيراً، أنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ ثرياً؛ لأن الناس كلهم فقراء، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥] لا يوجد أحدٌ يستغني عن الله في شيء، كيف تستغني عن الله وبيده مقاليد الأمور؟! فلا بد أن تَضَعْ نفسَك ولا تتكبر، لا تتكبر على عباد الله؛ لأن الكبرياء لله، يقول الله في الحديث القدسي الصحيح: (الكبرياء إزاري، والعظمة ردائي، فمن نازعني فيهما ألقيته في النار ولا أبالي).
فالمتكبرون يوم القيامة يحشرهم الله عز وجل كأمثال الذر في صور الرجال، يحشر الله المتكبر فيجعله مثل الذرة، لكن في صورة رجل، ويصغره الله إلى أن يصير مثل الذرة لكن في شخصية رجل، يطأه الناس بأخفافهم، ويركضونه بأرجلهم، ولا يعرفون أنه هو، لا يرونه؛ لأنه مثل الذرة، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن المتكبرين يوم القيامة يحشرون في سجن يُقال له: بُوْنِس -هكذا في الحديث- تشب عليهم فيه نارُ الأنيار، ليست ناراً، بل نار الأنيار، نار من نوع خاص؛ لأن هذا الكبرياء لله، ليس لك.
إذاً: فما هو الكبر؟ الكبر: هو غَمْطُ الناس وبَطَرُ الحق.
غَمْطُ الناس: أي: يحتقر الناس، كلما جاءه فلان قال: ليس عنده شيء، ما وظيفته؟ فيقال له: فراش، فيشيح وجهه، ثم يقول: كم رصيده؟ فيقال: ليس عنده شيء، ثم يسأل: أعنده مزرعة؟ أو عنده شيء؟ فيحقر الناس، وربما أن هذا الفراش أعظم من ملء الأرض من أشكال هذا المتكبر؛ لأن موازين الله غير موازين البشر {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] فلا تتعاظم.
وبَطَرُ الحق: إذا جاء الحق قال المتكبر: لا.
من قاله؟ فلان؟ لا.
الحق لا يؤخذ من فلان أو فلان، الحق يؤخذ من الله ورسوله.
فلا تتعاظم.
علامات الكبرياء: العلامة الأولى: الشموخ والأنفة ورفع الرأس، فبعض المتكبرين تراه كأنه مشنوق في السماء، إذا مشى كأنه مربوط بأنفه في السماء، لا يمشي معتدلاً، بل يمشي ورأسه إلى أعلى، ثم بعد ذلك؟ سيَدُسُّون بأنفك هذا -أيها المتكبر- في الطين، فما تنفعك أنفتُك.
العلامة الثانية: عدم التسليم على الناس:- إذا دخل الإدارة -مثلاً- لا يسلم؛ فإذا قيل له: لماذا لا تسلم؟ قال: السلام يذيب الشخصية.
أتريد بناء الشخصية على الكبرياء، بل والله تسقط شخصيتك بالكبرياء، لكن عندما تدخل على موظفيك وتقول: السلام عليكم، صباح الخير، وتسلم على الفراش، وتصبِّح عليه، وتسأله: كيف أنت يا أبا فلان؟ إن شاء الله مبسوط، مالي أرآك اليوم غضبان، فإن هذا هو الذي يبني لك شخصية، فهذا التصرف إذا متَّ أو أحالوك من الوظيفة، فإن الناس كلهم يقولون: بارك الله فيه، وفقه الله وحفظه في الدنيا والآخرة، لكن ذلك الذي يتكبر، فسيصبرون عليه حتى يرحل من الوظيفة، وإذا رحل ولقوه في الشارع -فوالله- لن يسلموا عليه، بل إذا رأوه يبصقون في وجهه، هذا الذي يريد أن يبني له شخصية، ما عادت له شخصية في تلك اللحظة.
العلامة الثالثة: حب تقدم الناس:- إذا مشى المتكبر مع أناس فإنه يريد أن يمشي أولاً.
العلامة الرابعة: حب قيام الناس له:- إذا دخل المتكبر على الناس فإنه يريد أن يقفوا له كلهم، لم يقفوا يكون غضبان.
لا -يا أخي! -، المتواضع إذا دخل على المجالس وقاموا له: قال: لا.
مكانكم مكانكم، وجلس في أقرب مكان، هذا هو المؤمن، هذا هو الْْهَيِّن اللَّيِّن، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على قوم جلس أينما ينتهي به المجلس، ولكن كان الصدر عنده صلوات الله وسلامه عليه، أكرم خلق الله، جاءه رجلان أعرابيان قد سمعوا بذكره، وقد نُصر بالرعب مسيرة شهر، فلما جاءوا إليه وقفا وهما ترتعد فرائصهما، خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما عليكما، لا تخافا، إني ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة) يقول: لا تخافوا مني، أنا لستُ بشخصية ولا شيء، أنا رجل ابن امرأة كانت بـ مكة تأكل القديد.
ما هو القديد؟ القديد: اللحم الجاف، الذي يُعَلَّق على المناشير من الفقر، ثم يأكلونه يوماً بعد يوم.
فيقول: أنا فقير ما عندي شيء، فما زالا حتى سكن، صلوات الله وسلامه عليه.
فلا تتكبر -يا أخي! - على عباد الله، حتى يهديك الله، أما إذا نفخ الشيطان في أنف أحدٍ بالكبرياء فهذا لا يهديه الله.