للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وسطيتهم في الإيمان]

ومن معتقد وأصول أهل السنة والجماعة: أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، قول بالألسن، وعمل بالأركان والجوارح، واعتقاد بالقلوب، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وليس الإيمان قول وعمل دون اعتقاد، فهذا إيمان المنافقين، فالمنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: آمنا {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:٨] وكانوا يصلون، يقول الله عز وجل: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:١٤٢] وكانوا أيضاً يتصدقون، يقول الله عز وجل: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:٥٤] فأثبت الله لهم صلاة وصدقة، لكن افتقدوا الشرط الثالث وهو الاعتقاد، فما كانت عقائدهم سليمة، ولو كانوا يعملون عملاً صالحاً، ويقولون قولاً صالحاً لكن عقائدهم من الداخل كانت فاسدة، فهم يؤمنون بألسنتهم ويكفرون بقلوبهم فلم ينتفعوا، فليس الإيمان قولاً وعملاً دون اعتقاد، وهذا إيمان المنافقين.

وليس الإيمان مجرد المعرفة بدون قول ولا عمل فهذا إيمان الكافرين، فالكافرون إذا سألتهم من خلق السماوات والأرض يقولون: الله، لكن لا يؤمنون ولا يعملون.

وليس أيضاً مجرد اعتقاد وقول من دون عمل، فهذا عمل المرجئة، والمرجئة فئة من الفئات الضالة يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة، وقالوا: إن إيمان جبريل مثل إيمان الشيطان الرجيم، لماذا؟ قالوا: لأن جبريل مؤمن بالله وإبليس مؤمن بالله، يقول: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [ص:٧٩] {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:٨٢] فما دام مؤمناً مُقراً بقلبه ولسانه فإنه يكفيه الإيمان فقط، ولا يوجد حاجة إلى العمل، وهؤلاء هم المرجئة الذين دمروا الإسلام في فترة من فتراته، حيث أعطوا مؤشراً وتصريحاً للناس في ترك الدين، عندما قالوا لهم: أنتم مسلمون بمجرد أن يقول الواحد منكم: لا إله إلا الله، وإن لم يصلِّ ويصم، ولم يمتنع عن فعل المحرمات، وهذه يسمونها عقيدة الراحة والإباحة، راحة من التكاليف وإباحة للمنهيات، يزني ويسكر ويعمل كل شيء ثم يقول: الحمد لله أنا أشهد أن لا إله إلا الله، والإيمان في القلب، ربنا رب قلوب، وهؤلاء هم المرجئة.

وما أكثر المرجئين في هذا الزمان تراه وهو منغمس إلى أذنيه في المعاصي وتقول له: اتق الله، فيقول لك: يا أخي: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم -وما أكملُ الحديث- وأعمالكم) يقولون: إن الله ينظر إلى القلوب! هذه قاعدة الإرجاء، وهي مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة، أما مذهب أهل السنّة والجماعة فإن الإيمان قول باللسان، واعتقادٌ بالجنان، وتطبيق وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعات، وينقص بالعصيان، والدليل على زيادته قول الله عز وجل: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال:٢] فالإيمان يزيد بالطاعة، ودليل النقص قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) لأنه ينقص إيمانه، ويرتفع عنه الإيمان والعياذ بالله إذا مارس هذه الجريمة.