[المغالطة الثانية: الاعتماد على حسن الظن بالله ارتكاب المعاصي]
لحديث صحيح، وهو حديث قدسي: (أنا عند حسن ظن عبدي بي، فليظن بي عبدي ما شاء) قال العلماء: حسن الظن يقتضي حسن العمل، فالمؤمن يحسن الظن بأن الله لن يضيع عمله؛ فيعمل صالحاً، لكن أن يحسن الظن بالله ويرتكب المعاصي، فهذا سوء ظن بالله.
الآن أنا أضرب لكم مثالاً: الموظف الذي يحسن الظن بمديره أن يرقيه ويتيح له فرصاً من انتدابات، ودورات، وترقيات، ما الذي يلزمه؟ يلزمه حسن العمل، دوام مبكر، انصراف متأخر، تواجد مستمر، أداء متميز، طاعة مطلقة، أي: يلزمه أن يكون موظفاً مثالياً، وبعد ذلك لو جاءت أي فرصة فيحسن الظن بالمدير.
لكن أن يكون موظفاً فاشلاً، لا يداوم إلا الساعة العاشرة، وإذا دخل والأوراق على الطاولة أدخلها في الأدراج، وقال: يا ولد! هات قهوة وهات شاهي، وذهب وأتى بفول وطعمية، وقال: أغلق الباب واتركنا نفطر.
فيفطر وكأنه قد عمل إلى أن تعب، وهو ما قد أنجز ولا معاملة، ثم أخذ (السيجارة) وأشعلها، ثم يكلم زميله في الهاتف قائلاً: أين سمرت البارحة؟ وأين ذهبت؟ وبعد ذلك دعا السكرتير قائلاً: أين (الجرائد)؟ وما هي أخبار المباريات أمس؟ وما هي أخبار الأفلام والفن؟ إلى أن يؤذن الظهر وهو لم ينجز ولا معاملة، وآخر اليوم إذا أذن الظهر صلينا، وركب سيارته وذهب.
فالمدير لا يعرف هذا الموظف الفاشل، ما رأيك حين تأتي عنده يقول: أنا أحسن الظن بالمدير أنه سيرقيني، فهل هذا وارد؟ وإذا رقاه المدير، ماذا يكون هذا المدير؟ فاشل مثله.
فالمدير لا يرقي إلا الموظف المجتهد، أما الموظف البطال فلا.
-ولله المثل الأعلى- فحسن الظن بالله، أنك إذا أحسنت ظنك بالله في أن يغفر لك، فاعمل عملاً صالحاً من أجل أن يغفر الله لك، يقول الحسن البصري: [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله، كذبوا.
والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل!].
أما إحسان الظن بالله مع المعاصي، فهذا يسميه العلماء: عجز، والعاجز قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في سنن الترمذي، يقول عليه الصلاة والسلام: (الكيس -العاقل الفطن الأريب- من دان نفسه) دانها أي: جعلها مدينة له، واستعلى عليها وانتصر عليها.
فإن كانت نفسه تحب الأغاني، يقول: لا.
وإن كانت تحب النظر إلى الحرام، يقول: لا.
وإن كانت تحب النوم عن صلاة الفجر، يقول: لا.
فدان نفسه حتى أصبحت مثل الدابة الذلول، لكن بعض الناس حمار نفسه، يريد أن يقوم ليصلي، فتقول نفسه: نم، قال: حسناً، وركبت عليه، وبال الشيطان في أذنيه.
أو يريد أن يترك سماع الأغاني، فتقول نفسه: يا شيخ! اسمع، قال: حاضر، فهذا حمار نفسه (الكيس -العاقل- من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني).
إذن فمن المغالطات: أولاً: مغالطة الاعتماد على الرحمة بدون التوبة.
ثانياً: الاعتماد على حسن الظن بالله مع إساءة العمل.