الذي عليه العلماء في أصح قوليهم: أن النفخ مرتان: الأولى يحصل بها الصعق، والثانية يحصل بها البعث، قال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى}[الزمر:٦٨] وهذه النفخة الثانية {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:٦٨] وقد سمى الله في القرآن الكريم النفخة الأولى بالراجفة، وسمى الثانية بالرادفة قال تعالى:{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ}[النازعات:٦] أي: الأولى {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}[النازعات:٧] أي: الثانية التي يبعث الناس من قبورهم على أساسها.
وفي موضع آخر سمى الأولى الصيحة، وصرح بالثانية بأنها النفخ فقال عز وجل:{مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ}[يس:٤٩ - ٥١] أي: القبور {إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}[يس:٥١] أي: يخرجون.
وجاءت الأحاديث النبوية الصحيحة مصرحة بالنفختين، ففي صحيح البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما بين النفختين أربعون، قالوا: يا أبا هريرة! أربعون يوماً؟ قالوا: أبيت.
قال: أربعون شهراً؟ قال: أبيت.
قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت) أي: لا أستطيع أن أقول لكم: هل هي أربعون يوماً أو شهراً أو ساعة، وقوله: أبيت، أي: لا أدري كم العدد أربعون.
والحديث صحيح.
وفي صحيح مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(ثم ينفخ في الصور فلا يسمع أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً، فتنفخ منه أجساد العباد -ينزل مطر بعد النفخة- ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون).
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال:[ثم يقوم ملك بين السماء والأرض فينفخ في الصور -والصور قرن- فلا يبقى خلق في السماوات ولا في الأرض إلا مات إلا ما شاء ربك، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون] وروى أوس بن أوس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه الصعقة، وفيه النفخة) فدل الحديث على أن النفخة شيء والصعقة شيء آخر، فالصعقة هي الأولى والنفخة هي الثانية، وقد رجح هذا الأمر معظم العلماء الذين استدلوا على ذلك بالآيات والأحاديث التي سقناها.
وذهب بعضهم إلى أنها ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث.
ولكن الصحيح الذي تسنده الأدلة أنها نفختان؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك.