يا أخي في الله: إن تصحيح وضعك بعد إجراء المحاسبة، هو تجديد لحياتك، ونقلة حضارية حاسمة لتغير معالم نفسك، وذلك لا يعني أن تدخل أعمالاً صالحة وسط جملة ضخمة من العادات القبيحة، والتصرفات والأخلاق السيئة، فهذا خلط وتغشيش لا يصلح.
إن العودة تتطلب منك أن تعيد ترتيب حياتك كلها، وأن تستأنف مع ربك علاقةً كاملة أفضل، وعملاً أكمل، وعهداً، وعقيدةً، وهو يدعوك سبحانه وتعالى إلى هذا في سيد الاستغفار؛ ففي صحيح البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على سيد الاستغفار؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، خلقتَني وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
إن العودة إلى الله تقتضي أن تعيد تنظيم حياتك كلها، وتُجْري تغييراً كاملاً: تغييراً للشريط الذي كنت تسمعه! وتغييراً للمجلة التي كنت تشتريها! وتغييراً لطريقة النوم! وتغييراً لوقت النوم! وتغييراً لوقت الاستيقاظ! وتغييراًَ للزملاء والأصدقاء! وتغييراً لمواعيد الدوام؛ كنتَ تأتي الساعة التاسعة؛ لكن عندما التزمتَ لا تأتي السابعة والنصف إلا وأنت على المكتب؛ لأنك تريد أن تأكل حلالاً! وتغييراً لأسلوب العمل؛ كنتَ تدخل وأنت تنفخ، وتصيح على الموظفين والمراجعين؛ لكن لما التزمتَ أصبحت تدخل مبتسماً؛ لأن تبسمك في وجه أخيك صدقة، ولأنك لا تحقر من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
وتغييراً في أسلوب أدائك لعملك؛ كنت من قبل تتنصل عن المعاملات، وتمشِّي الأوراق، وتزيحها، وتمرِّرها، يعني: فقط تتخلص، لكن لَمَّا صرتَ ملتزماً ومسلماً لا تنهي معاملة إلا بعد ضبطها (١٠٠ %)، تبحثها من أول ورقة إلى آخر ورقة، لماذا؟! لأنك تغيرت تغيراً كاملاًَ! وتغييراً لعينيك؛ إلى أين كانت تنظر؟! وتغييراً لأذنيك؛ ماذا كانت تسمع؟! وتغييراً للسانك؛ بِمَ كان يَهْرِف ولا يعرف؟! وتغييراً لبطنك؛ ماذا كان يأكل؟! وتغييراً لفرجك؛ أين كان يقع؟! وتغييراً ليديك! وتغييراً لقلبك! وتغييراً لكل شيء في حياتك! لماذا؟ لأنك راجعتَ نفسك، وجدَّدتَ حياتك.