[الاعتماد على مبدأ السببية في إثبات الإيمان]
ومنهم من اعتمد على مبدأ السببية في إثبات الإيمان وقال: إنه لا يوجد شيء إلا بسبب، ولا يكون حركة إلا بمحرك، ولا يكون خلق إلا بخالق، فقال كما قال الأعرابي: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فأرض ذات فجاج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحارٌ تزخر، أفلا يدل ذلك على السميع البصير؟ إن هذا الكون بما فيه من أسرار في كل شيء، بل ما فيك أنت أيها الإنسان من أسرارٍ في نفسك، فأنت كلك أسرار وألغاز من رأسك إلى أظافر قدمك، في نفسك وفي جميع أجهزتك من الذرة الموجودة فيك إلى المجرة الموجودة في العالم الخارجي، كلها تدل على الله عز وجل.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
فمبدأ السببية مبدأ عقلاني؛ لأن هذه الحياة لا بد لها من خالق، والله خاطب العقول وقال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} [الطور:٣٥]، طبعاً العقول تقول: لا.
ما خلقنا من غير شيء؛ لأن العدم لا يخلق شيئاً، قال عز وجل بعدها: {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:٣٥]، هل خلقتم أنفسكم يا ناس؟! طبعاً يقولون: لا.
ثم ما دام أنهم ما خلقوا من غير شيء، ولا خلقوا أنفسهم؛ تعين كنتيجة حتمية أن يكون لهم خالق وهو الله الذي لا إله إلا هو.
ولو قلت لكم الآن: أتظنون أو تعتقدون فيَّ أنني أخاطبكم الآن وأنا بكامل قواي العقلية؟ ليس عندكم شك الآن أني عاقل، إذ لو كنتم تشكون أني أتكلم معكم من منطلق الجنون، ما جلستم أمامي وعطلتم حصصكم وجئتم تجلسون، لكن تريدون أن تسمعوا كلاماً يفيد، ولو قلت لكم وأنا أتحدث عن أسرار خلق هذا الميكرفون: لو سألني طالب وقال: يا أستاذ! كيف صُنع هذا الميكرفون؟ فقلت لكم: هذا الميكرفون كان في قديم الزمان قطعة من الحجر، ومرت عليه الرياح الشمالية والشرقية والجنوبية، وأيضاً عوامل التعرية من الأمطار والرياح ونحتته من هذا الجانب ومن ذاك الجانب، وجاءت حديدة ودخلت من هنا، وجاءت حديدة أخرى ودخلت من هنا، ومع الزمان صار (ميكرفوناً)، ما رأيكم، هل تصدقونني أم تكذبونني؟! لا تصدقونني.
وقد يقول شخص: يا أستاذ! صحيح، لكن تلك الساعة كيف جاءت؟ قلت: هذه أصلاً كانت حديدة بيضاء في جبل من الجبال البيض، وجاءت الرياح وأخذتها ولطخت بها هنا، وهذا الهور كذلك كان حجراً ولطخت به الرياح وضرب هناك، ومع الزمن تجوف مع الرياح، وأصبح له (زقم) بارز في وسطه يا أستاذ! هذا كلام غير معقول! وجاء شخص آخر وقال: السلك المربوط من هنا إلى هنا، من أين جاء؟ هيا حلها الآن؟ قلت: أنت عقليتك قديمة، أنت رجعي، هذا السلك يا ولدي! مرت به الرياح على ظهور الغنم والإبل، وحملته الخرفان السود في نجد وانغزلت مع الزمن، وصار سلكاً وفجأة ارتبط هناك، وارتبط هنا وصار صوتاً، بالله هذا كلام عاقل؟!! تقولون: والله إنه أخبل، هيا قوموا نكمل دروسنا، هذا الأستاذ والله ما معه عقل، لماذا؟ لأني أتكلم بكلام يرفضه العقل ولا يمكن أبداً.
هناك جهاز اسمه جهاز (الأمبيرفاير) الذي يكبر الصوت، فيه طاقة، وفيه جهد، ومائتين وعشرين، ومائة وعشرة، أحدهما يرفع والآخر للمايك وهذا، وهذا يا أستاذ! قلت: وهذا يا أخي! الله يهديك، كلما أجبنا لك على سؤال تأتيني بسؤال آخر، يا أخي! حرر عقلك، كن متطوراً ومتنوراً مثلما يقولون، افهم، هذه جاءت كذا، وطلعت كذا، وأضاءت لمبة من هنا، وكلها صدفة.
هل تقبل العقول هذا الكلام؟! لا تقبل العقول هذا في جهاز بسيط، لكن كيف تقبل العقول أن يكون هذا الكون، بما فيه من أبراج ونجوم وعوالم ومجرات، ومن آخر العلوم المكتشفات قرأت قبل حوالي شهر في المجلة يقولون: كان العلم البشري يتوقع أن أعلى شيء في الموجودات هي المجرة؛ والمجرة: هي مجموعة من المجموعات التي من ضمنها المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية تشتمل على عدة كواكب من ضمنها الأرض والشمس والقمر، ومن ضمنها: نبتون، وزحل، والمشتري، وعطارد، والمريخ؛ هذه كلها اسمها المجموعة الشمسية، وهي واحدة، يقولون: إن المجموعة الشمسية بالنسبة لبعض المجرات مثل قبضة رمل على شاطئ بحر، ويقولون الآن: إن هناك شيئاً استطاعوا أن يصلوا إليه وأن يكتشفوه بواسطة (الميكروسكوب الراديوي) ليس (الإلكتروني البصري)، الراديوي أي: يكتشفون بالميكروسكوب عبر موجات الراديو، التي تطلق ذبذبات على بعد ملايين ملايين المسافات والكيلوهات والسنوات الضوئية، يقولون: إنهم استطاعوا أن يكتشفوا أن هناك شيئاً سموها (الكواسار)، هذا الكواسار يقولون: لو أردنا أن نقيس حجمه نأتي بحجم المجرات التي اكتشفناها، ونضع واحداً صحيحاً وأمامه مائة صفر، ومن يقرأ هذا العدد؟ ستة أصفار: مليون، سبعة أصفار: عشرة مليون، تسعة أصفار: مليار، اثنا عشر صفراً: بليون، لكن مائة صفر من أين نعطي له اسماً؟! هذا الكون كله، وهذا الإنسان، وهذه الحياة كلها الله خالقها! ويأتي الإنسان هذا البليد ويقول: ليس لها خالق، إنها الطبيعة! هل الطبيعة التي تدوسها أنت بقدمك، هذه الطبيعة الصماء العمياء تخلقك أنت أيها السميع البصير؟! فاقد الشيء لا يعطيه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:٦٢].
فمبدأ السببية هو مبدأ عقلي اعتمد عليه العقلاء في القديم بدون رسالات، وأثبتوا أن لهذا الكون خالقاً هو الله الذي لا إله إلا هو.