للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف الله لحقيقة الدنيا]

أيها الإخوة في الله! يقول الله عز وجل في كتابه العزيز مخبراً عن حقيقة هذه الحياة التي يبدو أننا لم نعرفها حتى الآن، وعرفنا منها ما لا يريده الله عز وجل منا، فجاء الأمر من الله عز وجل يصحح عقولنا ويلفت أنظارنا ويخبرنا عن حقيقة هذه الحياة؛ لأنه هو خالق هذه الحياة، فيقول عز وجل: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:٢٠] هذه خمسة أشياء عرفناها من هذه الدنيا، والله يقررنا على هذا بالأمر بالعلم بذلك، ولكن ما بعد هذه الحياة {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:٢٠ - ٢١] فهذه الحياة الدنيا مضمار وميدان سباق، ولكن إلى أين؟! إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض، لكن لما عاش الناس في غير الميدان الطبيعي الحقيقي لهم سابقوا ولكن إلى نار هاوية.

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:٢١] لمن يا رب أعدت هذه الجنة؟ وهيئت وزينت؟ {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:٢١].

هذه الآيات تقرر حقيقة الدنيا، وحقيقة الآخرة، والمراد منا حينما أوجدنا الله في هذه الدار، إنها ميدان عمل، ومضمار تسابق، وإن الليل والنهار والشهر والسنة مطايا نركبها إلى الجنة أو إلى النار، بحسب السير، فمن الناس من قطع مراحل حياته متزوداً بغضب الله وسخطه ولعنته، يصبح على معصية الله، ويمسي على معصية الله، ويفتح عينه باستمرار في معصية الله، ويخصص أذنه على الدوام في سماع معاصي الله، ويتكلم بلسانه فيما يسخط الله، ويأكل بفمه وينزل في بطنه ما حرم الله، ويطأ بفرجه فيما حرم الله، ويمد يده إلى ما حرم الله، ويسير بقدمه ويسعى إلى ما يسخط الله، فهذا قد شد رحله وعزم وسافر إلى دار الدمار والنكال، أعاذنا الله وإياكم منها.

ومن الناس من عرف سر وجوده وحقيقة وجوده، وعلم أنه يناط به أمر:

قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

فشد راحلته، وحمل عصا السير على عاتقه، وشمر وقال: إليك ربي لا ألوي عن راحلتي إلا إليك، فقطع رحلة عمره متجهاً إلى خالقه، مسخراً كل ملكاته وإمكانياته في مرضاة الله، فهو مع الله في الليل والنهار والسر والجهار، يصلي مع الله، ويعمل في مكتبه وهو مع الله، ينام على ذكر الله، ويأكل ويأتي أهله باسم الله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحب ويبغض في الله، ولا يصرف دقيقة من دقائق حياته الغالية إلا بما يعود عليه بالنفع في الدار الآخرة.

فهذا هنيئاً له هذا المسير، وليس بينه وبين الجنة إلا أن يقف في آخر مرحلة من مراحل هذه الحياة عند جدار يسمى الموت، وهناك يقال له: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠].

نسأل الله من فضله.