[وسائل علاج المجتمع من ظاهرة الأفلام]
لعل سائلاً يسأل فيقول: ما هو العلاج لهذه المعضلة الاجتماعية؟ فنقول: هناك عدة وسائل للعلاج: - الوسيلة الأولى: إشعار الأطفال في بيتك بقيمة الوقت:- وأن الوقت هو عمر الإنسان، وأن إهدار الوقت في غير مصلحة ضرر عليه، وخسارة لا تعوَّض، وعلى الأب أن يكون قدوة في هذا الاستغلال للوقت، وما هذا اليوم الإسلامي إلا أنموذجاً لكيفية استغلال الوقت فيما فيه مصلحة أو فائدة.
- الوسيلة الثانية: تعويد الأطفال على النوم المبكر ليلاً عن طريق عدم السماح لهم بالنوم نهاراً:- علِّم زوجتك أن توقظ الأولاد بعد صلاة الفجر، ويذهبون إلى المدرسة، وبعد رجوعهم من المدرسة -إذا كانوا يدرسون، أو إذا كانوا صغاراً- امنعهم من النوم، والذي ينام صبوا عليه الماء، لكي لا يأتي العشاء إلا وهو يريد أن ينام؛ لكن أن ينام طوال اليوم، ثم يأتي في الليل فيظل ساهراً إلى الفجر، وهو يتقلب أو يطالع في الأفلام، هذا خطأ، فقد قلب آية الله عز وجل، الله جعل الليل سكناً والنهار معاشاً، وهذا قلبها فجعل النهار نوماً والليل -والعياذ بالله- سهراً، فلا يسهر في الليل إلا الحيوانات السائبة، فالليل لا يخرج فيه إلا الحيات والعقارب، وهذه هي التي تؤذي الناس.
- الوسيلة الثالثة: إشعار الأطفال بأهمية القيام بالواجبات الدينية، وأنها أقدس ما يُحرص عليه، وزرع محبة الصلاة، والقرآن، والذكر -مثل أذكار الصباح والمساء- في قلوب الأطفال، وقد أخبرني رجل شاب أن لديه ولدين، أحدهما في ثالثة ابتدائي، والثاني في أولى ابتدائي، فقال: إن ولده ذهب إليه وأخذ يعلمه ويقول: يا أبي! لا بد أن نصلي في المسجد كل الصلوات، والأغاني هذه يجب ألا نسمعها.
قال: فقلت له: من الذي قال لك؟ قال: قال لي الأستاذ، قلت: حسناً.
قال: وكنت أتصور أن الولد يضحك أو أنه لن يلتزم بما قال؛ لكن الولد -ما شاء الله- التزم، وأصبح بمجرد أن يسمع أي نغمة يقوم مباشرة ليقفل الجهاز، قال: وأرجع من الدوام الساعة الثانية والنصف، وأجده متوضئاً وجالساً يرقبني، ومن مجرد أن نتغدى يقول: هيا نصلي يا أبي! قال: ثم صبرت عليه في أول أسبوع، وفي الثاني، وبعد شهر، قال: نعم أريده أن يكون ملتزماً؛ ولكن قليلاً قليلاً، لا مثل هذا، فهذا لا لعب بالمرة، قال: يُصِرُّ على ألا أصلي إلا في المسجد، وأنا أريد أن أصلي في البيت أحياناً؛ لأنني آتي من الدوام متعباً، وفي الصباح لا أستطيع أن أصلي الفجر في المسجد؛ لأنني أسهر في الليل، قال: وإذا بالولد -ما شاء الله- لا يأتي الفجر إلا وهو مستيقظ، ويأتي يطرق عليَّ الباب ويقول: الصلاة يا أبي، الصلاة يا أبي! قال: وأخيراً: ضاق الأمر بي مع هذا الولد.
فقلتُ: وماذا فعلتَ؟ قال: والله في ضيق منه، قلتُ: لا إله إلا الله! في ضيق منه، يوم أن جعله الله قرة عين لك في الدنيا والآخرة؟! يكون سبباً لهدايتك إلى الجنة، لا تقتل هذه المفاهيم فيه! إياك! احذر! إذا قتلتها قتلك الله في الدنيا والآخرة، وسلطه الله عليك، وسلط الله عليك من ينتقم منك في الدنيا والآخرة، كن عوناً له على طاعة الله عز وجل.
- الوسيلة الرابعة: تذكير أو إخبار الأولاد بالحلال والحرام:- أ- علِّم أولادك دائماً ما هو الحلال، وما هو الحرام، وما هو الخير، وما هو الشر، وما نتائج كل شيء، وقل لهم: النظر إلى النساء حرام، وسماع الأغاني حرام، والنظر إلى الأفلام حرام؛ لأن هذه تؤدي إلى الزنا، والزنا يغضب الله، ونهاية الزنا العذاب في الدنيا والآخرة.
ب- أعطهم ثقافات إسلامية في وقت مبكر؛ حتى تحميهم وتصونهم من الوقوع في هذه الجرائم.
جـ- عودهم على نبذ الأغاني والمعازف، وعلى إنكارها، وإغلاق الأجهزة عند سماعها، والمسابقة لإخماد صوتها.
د- عودهم على النقد الإيجابي، وقوة الملاحظة، وسرعة الانتباه.
هـ- أخبرهم أن معظم هذه الأفلام مورَّدة من ديار الكفر، وأن الكفار أعداء للإسلام، وأنهم يحرصون على إفساد المسلمين، وأسر المسلمين، ولم يقدموا لنا خيراً قط.
هل تتصورون أنتم أن يورِّد لكم الكفار خيراً؟ لا والله، يقول الله عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠].
وعليك أن توفر البدائل في بيتك لأولادك، مثل: ١ - الكتب، والمطالعة، والقصص للأطفال.
٢ - توفير جهاز تسجيل مع أشرطة منوعة، والسماح للأولاد بتشغيلها.
فلا مانع من أن تشتري جهازاً بمائتين أو ثلاثمائة ريال، وتعطيه أحد أولادك، وتقول: هذا لك، والأشرطة هذه لك، شغلها على كيفك، وأنت يا فلان لك جهاز آخر، ولك شريط آخر، مع مراقبتهم ومعرفة الأشرطة التي يسمعونها.
٣ - توفير جهاز الكومبيوتر لتعليمهم بعض الأنظمة التعليمية المفيدة.
٤ - توفير بعض اللعب الرياضية في فناء المنزل إذا كان لديك حوش أو سطح؛ كالمراجيح والدراجات، وألعاب المهارات، والتي تحتوي على فك وتركيب، فهذه الألعاب تشغل الطالب أو الطفل، وتأخذ جزءاً من وقته في غير ما ضرر.
٥ - إلحاق أولادك بالمعاهد والمراكز الصيفية، والمراكز القرآنية المنتشرة في المساجد، وهذه أعظم ما يُربى عليه الأطفال، وما تسمعونه اليوم مما يسميه الناس بالصحوة الدينية والصحوة الإسلامية، هذه لها أسباب، فمن أعظم أسبابها: مدارس تحفيظ القرآن الكريم.
ولذا ترون أن أعظم الشباب وأكثرهم عندما تسأل أحدهم: أين كنتَ؟ يقول: درست القرآن في مسجد كذا، وربما ترك الدراسة؛ ولكن بقي للقرآن أثر في نفسه حتى رجع إلى ما كان قد عُوِّدَ عليه وأُقْرِئَ في بيوت الله تبارك وتعالى.
٦ - الترويح عن الأطفال والأسر في الإجازات الأسبوعية بالخروج معهم في نزهة لقضاء بعض الوقت الممتع في الخلاء، مع المحافظة -طبعاً- على الصلوات، ومع تستر الأسرة، وعدم التعرض لمجامع الرجال والاختلاط بالرجال.
ز- محاولة ربط الأولاد بشيء من التأمل في مخلوقات الله عز وجل، كزيارة حدائق الحيوان، وكذلك زيارة الأودية، والشعاب، والأشجار، والجبال، والتأمل في مخلوقات الله، والنظر في السماء، والسحب، والنجوم، والكواكب، والقمر، والشمس، هذه كلها تستدعي تقوية الإيمان في قلوب هؤلاء الأطفال.
ح- إسناد بعض الأدوار الأسرية إلى الأولاد، قسم تكاليف الأسرة على أولادك، اجعل واحداً من أولادك مختصاً بأن يحضر الماء باستمرار، إذا كان الماء يأتي عن طريق الوايتات، أو واحداً مختصاً بأن يحضر الخضروات أو الفواكه إلى البيت، وواحداً مختصاًَ بأن يأتي بحاجات البيت التي ليست من الخضروات ولا من الفواكه، وواحداً مختصاً بأن يوصِّل أهله إلى المستشفى أو إلى المدرسة، وزع الأدوار حتى تشغل فراغ الأولاد في شيء يعود عليك بالنفع.
ط- التعويد على أذكار الصباح والمساء، وسرد القصص المناسبة لهم عند النوم، خصوصاً قصص السيرة، فحينما يريدون أن يناموا تدخل معهم إلى الغرفة، وتقول: تعالوا، قبل أن ننام نأخذ كتاب: (صور من حياة الصحابة) للشيخ عبد الرحمن رأفت، و (صور من حياة التابعين)، فهذان من أعظم ما أُلِّف، فتأخذ لهم سيرة صحابي، خبَّاب بن الأَرَت مثلاًَ، أو عائشة رضي الله عنها، وأي واحدٍ من الصحابة، تقرأ لهم سيرته؛ لتنطبع هذه المفاهيم في أخلاقهم بدلاً من المفاهيم الشيطانية.
وقد يقول قائل: إن الوقت متأخر، فأولادي قد تشرَّبوا حب الأفلام وغرقوا في إدمانها، فكيف الخلاص؟! ونحن نقول له: إن من يتق الله يجعل له مخرجاً، والبداية: هي الإخلاص لله، والصدق مع الله، ثم التوكل عليه، والسير في طريق مرضاته بشيء من اللين والصبر والحكمة، وما نريد إلا الإصلاح ما استطعنا، وما توفيقنا إلا بالله.
وأنا أوصي بالصبر واللين والحكمة، فبعض الآباء يتأثر من سماع موعظة، ثم يأتي إلى البيت، فيريد أن يقلب الحياة رأساً على عقب بمجرد قلم أو بإصدار أمر، حياة مضى عليها عشر سنوات يريد أن يقلبها في لحظة واحدة، فلا بد من وقت للتغيير، أنت الآن إذا دنوت على سفرة الأكل، وفيها الأرز، واللحم، والإدام، والفواكه، ومن كل شيء، وأنت مستعجل، فهل تستطيع أن تأكلها كلها في لحظة واحدة، أم أنه لا بد لك من وقت؟ بل لا بد لك من وقت، وقت للإدام، ثم وقت للأرز، ثم وقت للفاكهة، ثم وقت للغسيل، فرغم أنك مستعجل إلا أن الوقت لا بد منه، أقل شيء ربع ساعة، أو نصف ساعة، كذلك لا بد من وقت للتغيير، وليس مباشرة، فالذين يغيرون مباشرة يفاجَئون في النهاية بالفشل، لكن لو تدرج وصبر، وكان حكيماً، واستغل الثغرات، واستغل الفرص والمناسبات، فيعطي كلاماً طيباً، فإنه سينفع الله به؛ وإذا ما حصل النفع اليوم، فسيحصل بعد شهر، أو بعد سنة، أنا أرى بعض الأسر، الأب يمارس دور الدعوة مع الزوجة والأولاد من سنوات، وما حصلت الهداية إلا بعد سنوات، ولو أنه استعجل من أول الأمر، وحطم وفعل وطلق وطرد، لكانت الأسرة قد انتهت منذ زمن، ووجدوا ألف بديل للشر؛ فالولد إذا طرده أبوه، ذهب إلى رجل أشر منه، وأفسده أكثر، والمرأة تطلقها فتأخذ رجلاً مثلها ربما يفسدها أكثر، لكن قلل من الشر، وعالج الشر، واصبر ما دمتَ تجد للإصلاح مجالاً.
هذا هو المعوق الثاني، وهو: الأفلام.