للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة في الثبات على دين الله]

السؤال

يتأرجح كثير من الشباب بين الشرة والفترة، وبين النهوض والنكوص، فما نصيحتكم لأولئك؟

الجواب

نصيحتي للشباب: هو الثبات على دين الله؛ لأن التأرجح والتقدم تارة والتأخر أخرى هذا يدل على عدم استقرار اليقين في النفس البشرية؛ لأن المؤمن حينما يدخل في طريق الله يجب أن يدخل دخول الجازم الصادق الذي لا ينتابه أدنى شك في صحة الطريق الذي هو عليه، وفي صحة الغاية التي يسعى إليها، وأنه على الحق ولو خالفه أهل الأرض، هذا الشعور إذا توفر في بداية الطريق؛ فإن هذا كفيل بإذن الله أن يستمر الشاب على الطريق المستقيم.

لكن هناك عقبات وعوائق تقف في طريق الشاب، وعليه ألا يتوقف عندها؛ لأن التوقف هو بداية الانهزام، بل عليه أن يأتي إلى كل عقبة بقوة وعزيمة، شأنه في ذلك شأن العربة أو المركبة أو السيارة التي يقودها قائدها، فيرى أن أمامه عقبة أو طلعة؛ فإنه إن صعد بعزم أسفل الطلعة تمكن من الصعود، لكن لو أخذ بعزم ثم في منتصف الطلعة توقف فإنه لن يستطيع المواصلة، وطريق الله عز وجل طريق فيه صعوبة، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فلا بد من القوة، وخير ما أوصي به الشاب لئلا يتأرجح: ما ذكره الإمام سيد قطب شهيد الإسلام رحمه الله في أول كتابه العظيم معالم الطريق، حينما تحدث عن الجيل القرآني، وقال: إن القرآن هو القرآن، وإن السنّة هي السنّة، وإن مقومات هداية الجيل القرآني لا تزال موجودة إلى الآن وفي كل يوم إلى قيام الساعة، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياته ضرورية لبقاء الدين لما اختاره الله إلى جواره، ولكن الدين باقٍ رغم موته صلى الله عليه وسلم.

ولكن ما هي الميزة التي تميز بها الجيل القرآني الفريد الذي عاش في عهد الإسلام، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الميزة تنقسم إلى ثلاث ميزات: أول ميزة: وحدة التلقي.

وهي: عدم تلقي أي شيء إلا من القرآن ومن السنّة؛ لأن الشاب إذا أخذ من القرآن والسنّة، وأخذ من مصادر أخرى حصل عنده خلط في التلقي، وتشويش في الفكر، وانحراف، لكن حينما يقصر نفسه على أن يتلقى فقط من الكتاب والسنّة ومن أخيه في الله الذي يجلس معه، فهذا لا شك أنه يجنبه الخلط في التلقي، ولهذا لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم نسخة من التوراة بيد عمر يقرأها غضب عليه عليه الصلاة والسلام وقال: (أفيّ شك يا ابن الخطاب، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) يقول: موسى الذي أنزلت عليه التوراة كان موجوداً ما نظر في التوراة التي أنزلت عليه، ولا يسعه إلا أن يتبعني، فنحن لا ينبغي لنا إلا أن نتبع المصدر الوحيد الذي جاءنا من الله وهو كتاب الله، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الميزة الثانية من ميزات الجيل القرآني الفريد: أنهم كانوا يدخلون في الهداية والدين، ويقطعون كل صلة لهم بالجاهلية التي كانوا فيها، ما كانوا يدخلون في الإسلام ولهم جذور أو لهم روابط تربطهم بالماضي، كمن يهتدي وهو يحب الغناء، أو يهتدي وهو يحب النظر المحرم، أو يهتدي وهو يحب الكرة، أو يهتدي وهو يحب السهر، لأن هذا سيبقي له روابط بالجاهلية، وهذه الروابط مهما كانت يسيرة إلا أنها تؤثر في سيره، وربما تعيقه وترده، فعلى المسلم إذا أراد السير في طريق الإيمان أن يقطع كل صلته بالجاهلية، وأن يدخل الإسلام وهو منقطع عن كل التصورات الأخرى، وأن يخلع ملابس الجاهلية على عتبة الإسلام.

الميزة الثالثة التي لا بد منها، والتي كانت من أبرز ميزات الجيل القرآني: أنهم كانوا يأخذون القرآن والسنة للعمل والتطبيق، لا يأخذونه للاستزادة أو للمتعة، ولا للمباهاة والرياء، وإنما للتطبيق، ولهذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما كنا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن، ونتعلمهن، ونعمل بهن، ونطبقهن) عشر آيات! ويروى أن ابن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنوات، قراءة العلم والتدبر والتطبيق والعمل، لكن إذا قرأ الإنسان القرآن لمجرد الحفظ من أجل يأخذ جائزة، أو من أجل أن الحفظ مقرر عليه في مرحلة دراسية معينة، أو من أجل أنه يحوز به مرتبة أو شيئاً ما فلا ينتفع بالقرآن.

ولكن إذا قرأ القرآن آية آية وطبق، وكلما مرت عليه آية من آيات الأوامر سأل نفسه: هل هو ملتزم بهذا الأمر، وكلما مرت عليه آية من آيات النواهي سأل نفسه: هل هو منتهٍ عن هذا النهي، لأن القرآن هو كتاب الله إليك أيها المكلف، فأنت معني بهذا الخطاب أمراً ونهياً، وخبراً وإنشاءً، وقصصاً واعتباراً، وكل ما في القرآن أنت مخاطب به، فتسأل نفسك، فإذا أخذت القرآن على هذا النحو من الأخذ والتلقي بقصد العمل، يحصل للإنسان الهداية، أما إذا أخذه بغير هذا القصد فلا يحصل له المراد، فهذه وصيتي لمن أراد أن يسير في الطريق، وألا يتذبذب ويتأرجح كما نسمع بين مد وجزر، وبين سقوط وصعود؛ لأنه يُخشى على من يسقط ألا يقوم، القلوب تغيراتها عجيبة جداً، والإنسان ضعيف، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).

وهذا فيه حث من النبي صلى الله عليه وسلم على أن يستمر الإنسان في عمل أهل الجنة حتى يموت، ولا يعمل بعمل أهل النار لحظة واحدة، فقد يموت وهو يعمل عمل أهل النار؛ فيُكتب من أهل النار، وفي الحديث نفسه قال: (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) وفي هذا الحديث أيضاً حث على أن من يعمل بعمل أهل النار عليه أن يسارع بالتوبة إلى الله، وأن يعمل بعمل أهل الجنة، فقد يموت حين يعمل بعمل أهل الجنة، هذا هو مفهوم الحديث ومنطوقه بارك الله فيكم.