[حال فريق اليمين والشمال يوم القيامة]
لا تظنن أنك مضيع، والله ما من كلمة ولا خطوة ولا عمل تعمله إلا وهو مسجل عند الله عز وجل، يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:٦] أنت نسيت كل شيء في حياتك، هل تذكر شيئاً مما تم خلال ذلك اليوم من أعمالك؟ هل تذكر المعاملات التي مرت عليك؟ هل تذكر ماذا تسحرت أو أفطرت، ومن قابلت أو زرت وزارك؟ لا، بل تنسى، هل تذكر قبل شهر أو قبل سنة أو قبل سنواتك كلها؟ لا.
لكن الله لم ينس شيئاً: {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:٦] نسيت لكن الله لا ينسى: {فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:٥٢] كل شيء مسجل ستجده بين يديك في يوم القيامة؛ فإما أن ترفع رأسك: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً} [آل عمران:٣٠] وتأخذ كتابك بيمينك وتقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:١٩] مثل الطالب المجد الذي يأخذ شهادته ويرفعها وهو في الطريق، بعض الطلاب وهو يمشي في الطريق لا يعرف أحداً لكن يري الناس وهم لا يعرفوه، يقول: أنا ناجح، ونحن ما علينا منك ولو أنك ناجح، أنا أذكر مرة إنى كنت سائراً في الشارع وإذا بأولاد خرجوا من المدرسة يبشروني وأنا لا أعرفهم وهم لا يعرفوني، لكن من شدة فرحتهم بالنجاح كل واحد يقول: أنا ناجح، قلت: مبروك.
فيقول الإنسان يوم القيامة: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:٢٠] هذه شهادتي: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:٢٠] فعملت صالحاً: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢١ - ٢٤] ليس كلوا واشربوا بما فكرتم، أو جمعتم، أو أخذتم من مناصب، أو وفرتم من جاه، لا.
هذه لا تنفع عند الله يوم القيامة ولا تسقي صاحبها ماء، جاهك ومنصبك ونسبك ومالك وأولادك ومنزلتك وسمعتك، دعاية الناس لك، وثناء الناس عليك، ومحبتهم لك لا ينفع عند الله شيء إلا العمل الصالح.
والعمل السيئ يضر، فيقولون: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} بالأرصدة التي عملتموها في أيامكم الخالية.
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة:٢٥] أخذ الشهادة باليسار، فلا يري الناس، مثل الطالب الذي يأخذ شهادته، وإذا بها مملوءة بالدوائر الحمراء، راسب! ما رأيكم يذهب يريها أهله؟ لا.
يأخذها ويضعها في جيبه، وإذا ذهب إلى البيت، قالوا: بشرنا، عساك ناجح، قال: لم تظهر النتيجة، وهو يعرف أنها ظهرت، لكن يريد يمهد للفشل، وذهب اليوم الثاني ورجع إليهم، هاه؟ قال: ظهرت، قالوا: بشر، قال: يقولون إنهم سمعوا اسمي، قالوا: إن شاء الله خير غداً تتأكد، وذهب غداً وأهله ليسوا فرحين عرفوا أن فيها شيئاً، من يوم أتى بالخبر من أول يوم لا يوجد خبر صحيح، جاء في اليوم الثالث، هاه؟ قال: الحمد لله أبشركم كلها تمام ما عدا مادتين فقط، الحمد لله، يحمد الله على الفشل الغبي، ولكن والده نظر وإذا بها ثمان! ما المقصود بالمادتين؟ قال: المادتان صعبة أما البقية فهي يسيرة، هذا البليد في الدنيا يخجل من الناس ومن أبيه وأمه؛ لأنه سقط، وسقطة الدنيا يسيرة، مثل الذي يسقط من على الطاولة إلى الأرض، هناك دور ثانٍ، وإذا لم يكن هناك دور ثانٍ فهناك سنة ثانية، وإذا لم يكن هناك سنة ثانية فالدراسة ليست ضرورية، أذهب وأتوظف ولو حتى في حجر وطين.
لكن سقطة الآخرة سقطة من الدرجات العلى إلى دركات النار، سقطة ما بعدها سقطة، ليس هناك درجة ثانية ولا دور ثانٍ ولا غرفة ثانية، وإنما نار وعذاب أبدي نعوذ بالله من النار.
فهذا الذي يأخذ شهادته بشماله وكتابه الذي عبأه ولطخه بالجرائم والمنكرات والمعاصي والسيئات، فإذا رآه، قال: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:٢٥] يتمنى أنه ما رأى هذه الشهادة: {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحاقة:٢٦] يقول: ليتني لم أعلم عن هذا الحساب، ولا نوقشت إياه، ولا اطلعت عليه: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:٢٧] يتمنى أنه قضي عليه ولم يبعث: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:٢٨] يتذكر ما الذي كان يشغله في الدنيا عن الدين وإذا به المال، أو السلطة والوظيفة والمنصب: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٩] يقول: ذهب مني المال ولم يغن عني، وهلك عني السلطان ولم ينفعني، فيقول الله للزبانية: خذوا هذا الدجال الكذاب الذي كان يلعب على الحبلين، يلعب في الدنيا ويريد الآخرة بدون عمل: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:٣٠] والغل هو: وضع القيد في الرقبة واليدين والرجلين، يقول الله: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:٤١] أي: تربط ناصيته في قدمه، ثم يوضع في قيد واحد برقبته: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة:٣١] أي: أوصلوه في النار: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:٣٢] السلك هو: إدخالها من فمه وإخراجها من دبره، من أجل أن يشتوي في النار، وكأن قائلاً يقول: يا رب! ما فعل هذا؟ فقال عز وجل: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:٣٣] ما عنده تصديق بلقاء الله، الذي لا يعمل صالحاً ما آمن بالله، والذي يعمل المعاصي والمنكرات ما آمن بالله، لماذا؟ لأنه لو آمن وصدق لعمل وانتهى.
الآن الموظف عندما يؤمن بصرامة المدير ومراقبته على الدوام وأنه دقيق، من السابعة والنصف ليس هناك أحد يوقع إلا من عنده، تجد كل الموظفين يأتون الساعة السابعة والنصف، لكن إذا عرفوا أن المدير يأتي الساعة التاسعة، يأتون هم الساعة التاسعة إلا خمس، ويوقعون الساعة السابعة والنصف؛ لأن المدير يأتي الساعة التاسعة، لكن لو أن المدير يأتي الساعة السابعة ونصف، ويقول: يا فلان ادخل أحضر الكشف، ويقول: التوقيع من على طاولتي، لا أحد يوقع من عند السكرتير، وكل موظف يأتي ينظر إليه كم الساعة يا فلان؟ ثمانية، ضع ثمانية، ثم يفرغ جدول الموظفين هؤلاء في ورقة صغيرة، ويقول: على شئون الموظفين اعتماد الحسم على التالية أسماؤهم: فلان الفلاني يوم كامل ويعطيه، ما رأيك في شعور الموظفين، من غد هل يأتون من الساعة السابعة والنصف؟ وربما من السابعة تجده على الطاولة، لماذا؟ آمن بالعقوبة، وعرف أن هناك حسم وأنه يوجد مدير حازم، لكن إذا كانت الأمور تمشي بتساهل تجد نصف الدوائر الآن يأتون الساعة التاسعة والتاسعة والنصف والعاشرة، ما أتى الفراش ليفتح فضلاً عن الموظف أو المدير، لماذا؟ أمنوا العقوبة فأساءوا العمل.
وكذلك الذي يأمن العقوبة في الآخرة يسيئ العمل، لا يعمل صالحاً ولا ينتهي عن محرم؛ لأنه ما آمن حقيقة فيقول الله: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:٣٣ - ٣٧].
- قوارب النجاة في الحياة الدنيا: فإذا أردت النجاة فعليك بقوارب النجاة، هذه القوارب الثلاثة أخذتها من آية من كتاب الله في سورة العنكبوت الآية رقم (٤٥) يقول الله عز وجل موجهاً الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وما وجه له من الأوامر فهو موجه بالتالي لأتباعه، يقول الله له: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} [العنكبوت:٤٥] هذا القارب الأول {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:٤٥] هذه هي قوارب النجاة الثلاثة، تلاوة الكتاب الكريم، وإقامة الصلاة، وذكر الله عز وجل.