[آثار المعاصي على أهلها قبل العذاب]
أما المعاصي فإن شأنها التدمير، يقول ابن القيم: إن للمعاصي آثاراً -أيضاً- قبل العذاب: أولاً: أنها تجرئ العبد على الله، بدلاً من أن تكون عبداً تستحي من الله، فإنك بالمعاصي تصير عندك جرأة على الله، ولا تخاف من الله، تبارز الله بالعظائم، وإذا كثرت الذنوب طبعت القلوب؛ لأن الذنوب تتراكم وتتراكم، فلا يعرف القلب بعد ذلك إلا المعصية، ولا يعرف إلا المخالفة والعياذ بالله.
ثانياً: ثم إنها تولد أمثالها، إذا عمل الشخص معصية قالت المعصية: أختي أختي، فيعمل الثانية، فتقول الثانية: أختي أختي فتدعو المعصية معصية أخرى إلى أن يغرق الشخص بالمعاصي، بينما إذا عمل طاعة قالت الطاعة: أختي أختي، فالحسنة تتبعها حسنة.
ثالثاً: أن المعصية تمحق بركة العلم، العلم الذي يدرس الآن في المدارس والجامعات، ويقال في خطب المساجد والمحاضرات علم كافٍ لإنقاذ الناس، خطبة واحدة كافية، ولكن لماذا لم تعد هناك فائدة من العلم الذي يدرس في المدارس والجامعات وغيرها؟ لأنه يسمع الإنسان الكلام فيدخل من أذن ويخرج من أخرى بسبب المعصية، لكن الذي ليس عنده معاصٍ يستقر العلم في قلبه، يقول الشافعي وقد شكا إلى وكيع:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي
إذا أردت أن يرزقك الله علم الخشية الذي يدلك على العمل الصالح؛ فعليك أن تتوب إلى الله من الذنوب والمعاصي.
رابعاً: المعاصي تذهب ببركة الرزق: الرزق إذا كان فيه معصية تذهب منه البركة ولو كان كثيراً، لأن العبرة في الرزق ليست بالعدد والكم، لكن العبرة بالكيف والبركة، قد تجد شخصاً فقيراً لكن عنده بركة في رزقه وقناعة، وشخصاً غنياً وقلبه فقير، إذا سألته: كيف أنت يا أخي، كيف حالك؟ قال: الدنيا صعبة هذه الأيام، والسيولة النقدية غير متوفرة، والأحوال متأزمة، والاقتصاد العالمي متضعضع، بينما تجد آخر مصلي فتقول له: كيف حالك؟ قال: الحمد لله في نعمة وفي خير، آكل شارب والحمد لله.
إذاً: من الفقير الحقيقي هذا أم ذاك؟ ذاك هو الفقير.
وآثار الذنوب كثيرة جداً ولا مجال لاستقصائها لكن نذكرها باختصار: تعسير الأمور على الإنسان: لأن الذي يطيع الله ييسر الله له أموره، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:٤].
ومنها أيضاً: وحشة يجدها العبد العاصي بينه وبين الله، وبينه وبين الطائعين من عباد الله، وبينه وبين المساجد، وبينه وبين القرآن، وبينه وبين الذكر، يعني: يُحس بوحشة فلا يستأنس، وهذه مصيبة أن تستوحش من ربك ومن بيوته وكتابه، وعباده الصالحين، وتبقى لك ألفة بالمعاصي وأعداء الله؛ لأن الذي يستوحش من الله يألف الشياطين، والذي يستوحش من بيوت الله يألف المقاهي والمخدرات والأماكن الموبوءة الخبيثة، والذي يستوحش من الطيبين يستأنس بالخبيثين، وهذه من عقوبات المعاصي التي يشقى الإنسان بسببها والعياذ بالله.
وأيضاً: -وهي مهمة جداً- أن العاصي تسقط منزلته عند الله، وإذا سقطت منزلته عند الله سقطت منزلته في الأرض، لأن المعز والمذل هو الله، والعزة بيده عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إليه يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:١٠] فإذا سقطت عزة وهيبة الإنسان ومكانته عند الله عز وجل أسقطها الله في الأرض، وأصبح الإنسان لا قيمة له، كما قال الله: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:١٨].
إن أعظم إهانة للإنسان أن يكون عبداً لشهواته، ومسخراً لتلبية نزواته، وهممه في الحياة واهتماماته محصورة بين شهوات البطون والفروج والمتع والأموال فقط، فلا يكون له أمل أكبر من هذا، إنما هو محصور في سجن الشهوة والهوى، والنفعيات فقط، لا يكون له نظرة أبعد فينظر إلى ما بعد هذه الحياة.
هذا وأسأل الله الذي لا إله إلا هو لي ولكم التوفيق في الدنيا والآخرة.