أيها الإنسان: يا أيها الجهاز المعقد! اسأل نفسك عن حكمة خلقك! وعن سر وجودك! وعن الغرض الذي من أجله خلقك الله على ظهر هذه الحياة! وعلى ضوء الإجابة تستطيع أن تعرف أين أنت، فإن كنت تسير في تحقيق هذا الغرض، وتخدم هذه الحكمة، وتتجه إلى هذه الأهداف التي من أجلها وجدت؛ حينها يمكن الاستفادة منك لأنك تحقق الغرض.
أما إذا كان البعيد يعيش لغير حكمة خلقه، أو لا يعرف هو بنفسه ما هي حكمة خلقه، وما هو سر وجوده، فإنه بهذا سيظل عاطلاً، وسيظل عبئاً على هذه الحياة ومدمراً لقدراتها -والعياذ بالله- وسبباً في نكبتها، وهو ما تحقق في هذا الزمان على يد البشر حينما طورت المادة، وطوعت واستخدمت أحسن استخدام ولكن على حساب الروح على حساب الإنسان.
طور الإنسان المادة ودمر الإنسانية، وحسَّن في الإبداع المادي لكنه أساء في الجانب الإيماني والروحي، فظهرت هذه الصور المشوهة وهذه النماذج -والعياذ بالله- الملوثة للبشرية، رغم أن المادة حسنة، لكن الذي يستخدم المادة هو سوء سلوكه وسوء تربيته، وعدم استقامته مما جعله يستخدم المادة لتدمير الإنسان.
وهأنتم تسمعون كيف أن العالم اليوم يعيش في صراع وتسابق على التسلح، وفي غزو الفضاء، وحرب النجوم، والهيمنة والسيطرة على الأمم الضعيفة والشعوب المنكوبة، كل هذا لأن الإنسان الذي بيده المادة فاسد، لا يعرف الغرض الذي من أجله وجد، ولذا يفكر أنه وجد للسيطرة، والقوة، والاستعلاء على الناس؛ فهو في سبيل هذه الأغراض يحب أن يخترع ويكتشف الآلات المدمرة في سبيل أن يعلو هو، ولو كان يعرف من أجل أي غرض وجد لما كانت هذه أهدافه.
فهذه قاعدة ننطلق منها إلى أن الإنسان يوم أن يعرف أنه إنما خلق لعبادة الله، فإنه سيستقيم على منهج الله، ويستجيب لداعي الله، ويتمسك بهداية الله، ونتيجة لهذه الاستجابة تتحقق له عدة معطيات، وعدة ثمار وآثار يجنيها في الدنيا، ويجنيها في الآخرة، ولسنا الآن بصدد الحديث عن ثمار ومعطيات الهداية والالتزام بالدين في الآخرة؛ لأن الناس قد جبلوا على حب العاجلة {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً}[الإنسان:٢٧] ويقول الله عز وجل: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}[القيامة:٢٠] وحينما تحدث الإنسان وتطلب منه الهداية والاستقامة على الدين يقفز ببصره وعقله إلى الآخرة، ويقول: الآخرة بعيدة الآخرة مستأخرة تريد أن أترك ملذاتي وشهواتي وما تحققه لي هذه الدنيا من الملذات في سبيل أن أنجح في الآخرة، دعني أتمتع في الدنيا وعندما أكبر سأتوب، الآن سأقضي حياتي في اللهو واللعب والعبث وبعد ذلك أتوب.
هذه تفكيرات الناس، ولذا يحكمون على كل من اهتدى واستقام أنه حرم نفسه من لذة الدنيا ولذة الحياة على أمل أن ينجو في الآخرة، هذه نظرة الناس السطحية المحدودة الخاطئة، ولكن الحقيقة الناصعة التي نقيم عليها الأدلة ونكشف رءوسنا ونصيح بها من على كل منبر، وفي أي مجتمع من مجتمعات العالم أن الإيمان والهداية والاستقامة على دين الله يحقق للإنسان الثمار الغالية التي يجنيها الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، وأن الكفر والضلال والانحراف شجرة السم التي يتجرعها العاصي والفاجر والكافر في الدنيا قبل الآخرة، وأن الهداية تحقق للإنسان الربح والكسب -في الدنيا والآخرة- أما الكفر والمعاصي فإنها تحقق للإنسان الدمار والشقاء في الدنيا والآخرة.
وأن لذاتها وجميع ما يتمتع بها العاصي لا تعدل نعمة واحدة من نعم الإيمان التي يجنيها المؤمن من ثمرة دينه وإيمانه في الدنيا قبل الآخرة.