للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رمضان شهر التدرب على الأعمال الصالحة]

الإيحاء الخامس وهو مهم جداً: وهو أن شهر رمضان بمنزلة الدورة التدريبية التي يعقدها الله للمؤمنين شهراً في كل عام، للتدرب على العمل الصالح، يتدرب المسلم فيها على القيام والصيام، والإنفاق والبذل والعطاء، وغض البصر، وصيانة السمع، وكف اللسان، وحفظ الفرج، المهم من أول رمضان إلى آخره وهو متعبد لله، سائر في طريق الله في الإيجابيات وهي الطاعات ويبتعد عن السلبيات وهي المعاصي، حسناً وبعد أن تنتهي هذه الدورة ماذا يراد منك أيها المسلم؟! يراد منك أن تستمر على نفس الأداء، تستمر على تدريباتك التي أخذتها في رمضان، فكنت تصوم في رمضان فصم ستاً من شوال، كنت تقوم في التراويح فقم جزءاً من الليل في بيتك، كنت تغض بصرك في رمضان فغض بصرك في شوال، كنت قد هداك الله من المخدرات والدخان والمفترات والخبائث فاتركها في شوال، عرفت المساجد في رمضان، يجب أن تستمر على صلاتك في المساجد في شوال، وكنت تنفق من مالك في رمضان يجب -أيضاً- أن تنفق من مالك في شوال، فقد تدربت على الأعمال الصالحة.

لكن الذي يؤلم القلب أن كثيراً من المسلمين إذا انتهى رمضان انتهت علاقتهم بالعمل الصالح، إذا انتهت آخر ليلة من رمضان تراهم يودعون فيها المساجد، وترون في ليلة العيد، في صلاة الفجر من يوم العيد، كم يصلي في المسجد الذي فيه عشرة صفوف؟ ترون فيه صفاً واحداً، أما الآخرون انتهى رمضان وانتهت العبادة، لا إله إلا الله! إن أصحاب العبادات الموسمية هؤلاء لا تنفعهم يوم القيامة؛ لأن الله عزوجل يطلب منا أن نعبده حتى نلقاه، يقول الله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] أي: الموت، وليس حتى يأتي شوال، والذي يعبد الله عزوجل يجب أن يعبده في كل وقت وحين، والذي يعبد رمضان، فرمضان شهر لا ينفع ولا يضر، وافرض -مثلاً- أنك عبدت الله في رمضان ثم تركت في شوال، ومت في شوال ماذا ينفعك رمضان؟ العبرة بالخواتيم -اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها.

فينبغي للمسلم أن يكون هكذا، أنك إذا صليت العشاء ثم انتقض وضوءك قبل السلام، فما حكم صلاتك؟ باطلة، وإذا صمت نهار رمضان وأفطرت قبل الغروب بدقيقة واحدة، فما حكم صيامك؟ باطل، وكذلك إذا عبدت الله ثم تركت قبل الموت، لا ينفع شيء من عمرك الأول.

فلا بد -أيها الإخوة- من الاستمرار في العمل الصالح، وهذا الإيحاء نعرفه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه بستٍ من شوال كان كمن صام الدهر كله) وأحد السلف يقول: [بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان] ولا يعني هذا أن يكون الناس في شوال على مقدار العبادة في رمضان، لا.

فرمضان مميز بالصيام الدائم، مميز بالقيام الدائم، مميز بالإنفاق الكثير، لكن المستوى الأدنى في شوال حفظ الفرائض والرواتب في المساجد، المستوى الأدنى في شوال أن تصوم ثلاثة أيام، أو تصوم الست من شوال، المستوى الأدنى أن تتصدق ولو بخمسة ريالات يومياً من جيبك لإخوانك المجاهدين، أو الفقراء والمساكين، المستوى الأدنى أن تكون ذاكراً لله، أما المعاصي فالمستوى فيها أنك لا تعصِ الله لا في رمضان ولا في شوال، فإن الله يغضب إذا عصي في شوال كما يغضب إذا عصي في رمضان، والله حرم المعصية في كل زمان ومكان، وعلى أي أرض، وتحت أي سماء، يقول الله في الأثر الإلهي: (إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإني إذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد).

هذه -أيها الإخوة- خمسة إيحاءات من رمضان: الإيحاء الأول: الطعام وبرنامج الغذاء الإسلامي.

الإيحاء الثاني: الغضب والتوتر.

الإيحاء الثالث: السهر.

الإيحاء الرابع: قراءة القرآن والدعوة إلى الله.

الإيحاء الخامس: الاستمرار والثبات بعد رمضان على الإيمان والعمل الصالح حتى يلقى العبد ربه.

فإذا أخذنا هذه المعاني من رمضان، وفهمناها على المراد الشرعي منه، أما إذا فهمنا أن رمضان هو شهر الأكل في الليل، والسهر والنوم في النهار، فلم نعرف رمضان وستمر علينا جميع الرمضانات، ونخرج منها مثلما دخلنا فيها، ولهذا يقول أحد السلف: علامة قبول رمضان أن تكون في شوال أحسن منك حالاً قبل رمضان.

أما الذي تنظر إليه وهو في شعبان وشوال سواء، معنى ذلك أنه لم يقبل منه رمضان، ما علامة قبول رمضان ونجاحك في رمضان؟ أن تكون في شوال إنساناً جديداً، تختلف عما كنت عليه في شعبان، أما إذا كنت في شعبان تغني وفي شوال تغني، في شعبان يزني، وفي شوال قد يزني، في شعبان يرابي وفي شوال -أيضاً- يرابي، في شعبان لا يصلي في المسجد، وفي شوال ترك الصلاة في المسجد، إذاً ما قيمة رمضان عند هذا؟ رمضان دخل وخرج وما زدت فيه إلا أن أكلت وسهرت ونمت ولعبت، وانتهى رمضان دون أن تحصل منه على المعاني التي شرعها الله، والتي قال الله فيها: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣].

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يعيننا وإياكم على الطاعة والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.