أولاً: إذا تناول الصائم شيئاً من المفطرات مأكولاً أو مشروباً ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه وعليه أن يتم صومه؛ لأنه بحكم العادة ربما في الدوام أو في البيت وهو صائم يجد شيئاً ويأكله ناسياً أنه صائم فلا شيء عليك حتى إذا أكلت وشبعت، فإنما أطعمك الله وسقاك.
وهذه -أيها الإخوة- يقول العلماء: فيها إشارة إلى عدالة الله، وفيها إجابة على القدريين والجبريين الذين يقولون: أنا مجبور على العصيان، ما أنت مجبور، إذا نزع الله منك الاختيار نزع عنك التكليف، ولذا إذا أكلت ناسياً فما عليك شيء إنما أطعمك الله وسقاك، إذا حصل لك احتلام في المنام في نهار رمضان، فتقوم تغتسل وتكمل صيامك ولا شيء عليك، لماذا؟ لأنك احتلمت بغير اختيار، لكن لو أن الإنسان تسبب في الإمناء؛ فإنه أفسد صومه، ولزمه القضاء، ولحقه الإثم والعقوبة؛ لأن من أفطر يوماً من رمضان لم يقضه ولو صام الدهر كله، لا يقضي إثمه إلا التوبة، فإنها تجب ما قبلها، فإذا نسي الصائم فأكل أو شرب لم يفسد صومه؛ لأنه ناسٍ، ولو أكل أو شرب وهو يعتقد أن الليل باقٍ فتبين أنه طلع النهار فهذا حكمه حكم الناسي، لماذا؟ لأن الأصل بقاء الليل، فلا ينقض الأصل بما يحدث عليه، لكن إذا أكل أو شرب ظاناً أن النهار قد انتهى وبعد قليل ظهرت الشمس بعد أن ذهبت الغيوم، ففي هذا اختلف أهل العلم: يقول جماهير العلماء -والحنابلة يتزعمون هذا- يقولون: عليه صوم، يقضي هذا اليوم، لماذا؟ لأن الأصل بقاء الصوم، فلا ينقض بما يحدث عليه، وبعض أهل العلم وهم أهل الحديث يقولون: ليس عليه قضاء، لماذا؟ لأنه جاهل والله يقول:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة:٢٨٦] وأنا أخطأت في تقدير الصوم، فلا شيء عليَّ، ولكن الراجح هو قول الأئمة والجمهور، لماذا؟ لأن المسلم مأمور بالاحتياط في دينه، فلا ينبغي له بمجرد ما يأتي غيم يقوم يأكل ويترتب على هذا إفساد صومه.
كذلك لو تمضمض الإنسان فدخل الماء إلى حلقه من غير قصدٍ لم يفسد صومه، ولكن ينبغي له أن يحتاط للحديث الذي في السنن:(وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، فإذا كنت صائماً فعليك أن تتمضمض وتستنشق لكن بدون مبالغة، لكن إذا تمضمضت بغير قصدٍ للمبالغة وسقطت قطرة عن غير قصدٍ وإنما سهواً فلا شيء عليك؛ لأن هذا من المعفو عنه إن شاء الله.