[صدق اللجوء إلى الله سبب للعصمة من المعاصي]
ودائماً أنا أقول للإخوة الذين يشكون من سيطرة وغلبة المعاصي على قلوبهم أقول لهم: إن خير دواء للتخلص من الذنوب سؤال الله عز وجل، ليس هناك أعظم من التجائك إلى الله؛ لأن الذنوب والمعاصي من وساوس الشيطان، يقول الله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:٢٦٨] أي فحشاء، وأي معصية، وأي منكر في الأرض؛ كلها من الشيطان، فإذا اعتصمت بالله، ولذت بالله، وسألت الله، كفاك الشيطان {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:١٠١].
وهنا مثال ذكرته أكثر من مرة وهو: إذا كنت سائراً من أمام بيت بدوي وانطلق عليك كلبه ليعضك وينبح عليك ويريد أن يعتدي عليك، فإنك إن قعدت تنابح الكلب وتراجمه أتعبك، وإن تركته سوف يعضك، لكن إذا أردت أن تسلم منه فادع راعي البيت البدوي وقل له: اكفنا من كلبك، فسيمسكه ويربطه، ولا يأتيك أبداً.
فالشيطان هو كلب هذا الإنسان، ينابحه ويعضه ويفترسه، ويريد أن يهلكه، فإذا أردت أن يمنعك الله منه، فادع الله أن يعصمك، ولهذا يقول الله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:٣٦]؛ لأنك إذا نزغك الشيطان فأطعته ركبك، أما إذا نزغك فاستعذت بالله قمعه وطرده وأبلسه، والنزغ هنا كما يسميه العلماء: هو إما إيعاد بشر، أو تكذيب بخير، أو أمر بمعصية؛ لأن القلب السليم هو: القلب الذي سلم من كل شبهة تعارض خبر الله، أو من كل شهوة تعارض أمر الله، أو نهيه، فأنت -أيها المسلم- في هذه الدنيا ثلاثة أشياء: أمام أمر، ونهي، وخبر.
أمر من الله، مثل: التوحيد، الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج، البر، هذه كلها أوامر.
أو نهي من الله مثل: لا تزنِ، لا تسرق، لا تقتل، لا تقف ما ليس لك به علم، لا تأكل مال اليتيم، هذه اسمها نواهي.
أو خبر من الله، خبر عن قضايا الإيمان: خبر عن الجنة، والنار، والبعث، وعذاب القبر، والصراط، والجزاء، والحوض، والميزان، والكتب؛ هذه أخبار ترد عليك من الله، فأنت أمام هذه الأوامر لا يسعك أمام الخبر إلا التصديق، ولا يسعك أمام النهي إلا الابتعاد، ولا يسعك أمام الأمر إلا الامتثال، فإذا سلم قلبك من شبهة تشكك في خبر الله، أو من شهوة تعارض لك أمر الله أو نهي الله سلم قلبك.
إن محبة الله تبارك وتعالى غاية كل مؤمن، والله عز وجل يلقي لك المحبة في السماء، ثم يقول جبريل: (يا ملائكة الرحمن! إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض) فيحبك كل شيء، وعلى قدر حبك لله يحبك أهل الأرض، وعلى قدر بغضك وبغض الله لك يبغضك أهل الأرض، حتى ثوبك الذي على جسدك يبغضك، كما ورد في بعض الآثار: أن تارك الصلاة إذا خرج من بيته قال له البيت: لا ردك الله من سفرك، ولا خلفك في أثرك، ولا رجعك إلى أهلك سالماً.
وورد أنه إذا رفع اللقمة إلى فمه قالت له اللقمة: لعنك الله يا عدو الله، تعرف فن البلع والهضم ما شاء الله -مثل- (الدركتر) لكن إذا أتيت إلى الصلاة أعجز من جدتك، تقول له اللقمة: لعنك الله، وبعض العصاة يأكلون في كل وقت، أي: كل لقمة فيها لعنة، فلو أكل مائة لقمة ففيها مائة لعنة، ولو أكل مائتي لقمة ففيها مائتي لعنة، فكأنه يزيد من اللقم ويزيد من اللعنات، تقول: لعنك الله يا عدو الله، تأكل من رزق الله ولا تؤدي حق الله، وإذا لبس الثوب على جسده قال الثوب له: لعنك الله، والله لولا أن الله سخرني لك لفررت منك، ثوبه لا يريده، الأرض التي يسير عليها تلعنه، الهواء الذي يتنفسه يلعنه، الوردة التي يقطفها ويحرمها الحياة ليتلذذ برائحتها تلعنه، كل شيء يبغضه؛ لأن الله قد أبغضه.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] وإذا أردت أن تعرف هل الله يحبك؟ فاسأل نفسك أولاً: هل أنت تحب الله؟ لأن الله عز وجل يقول: في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] يبادلونه المحبة، فما أحبهم إلا لأنهم أحبوه، لكن إذا أبغضوه أبغضهم؛ لأنه غني ليس بحاجة إلى أن يحب من يبغضه {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:١٧] ولما زاغ أولئك أزاغ الله قلوبهم.
فإذا أردت أن تعرف مقدار منزلة حب الله لك أنت، فاعرف مقدار منزلة حب الله في قلبك، هل أنت تحب الله حقيقة أم لا؟ ولكن هناك علامات للمحبة، وهناك أسباب لها، فأولاً نذكر لكم علامات المحبة، من هو المحب لله حقيقة؟ ثم بعد ذلك نذكر الأسباب الجالبة لمحبة الله، ولقد ذكرها كلها الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين، وهو كتاب عظيم من كتبه، أنصح كل شاب أن يقرأ كتب ابن القيم على الإجمال، أي كتاب تجده لـ ابن القيم فاشتره ولا تبالي.