وعذاب القبر -أيها الإخوة- كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه، فقد ثبت في الصحيحين أنه كان يقول بعد فراغه من التشهد في الصلوات:(اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (استعيذوا بالله من عذاب القبر).
وكان عثمان رضي الله عنه إذا ذكر عذاب القبر بكى، وإذا ذكر الجنة والنار لا يبكي، فقيل له في ذلك: قال: [إن القبر أول منازل الآخرة، فإن كان حفرة من حفر النار فمن بعده أشد، وإن كان روضة من رياض الجنة فما بعده أفضل] ولهذا كان يخاف من عذاب القبر؛ لأنه المنزلة الأولى، فإن كان قبرك روضة فما بعده الجنة، وإن كان القبر حفرة من حفر النار كان ما بعده النار؛ لأنه المقدمة، والوجبة الأولى، والوجبة الثانية والأخيرة في جهنم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالقبر تنجو منه بإذن الله عز وجل يوم تستجيب لأمر الله، لكن إذا عييت! يسأل في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: هاه.
لا أدري، وبعد ذلك في عرصات القيامة يبعث والخوف يغشاه، يقول الله عز وجل وهو يصور لنا هذا المشهد حتى كأننا لنراه رأي العين:{يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}[المعارج:٤٣ - ٤٤] ترهق، أي: تعلوه الذلة والخوف {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}[المعارج:٤٤] وبعدما يتورط في ورطات يوم القيامة يمر على الصراط فيسقط على أم رأسه، ويأخذ كتابه بشماله، ويطرد من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ومن مظلة الرحمن، ويوزن فيطيش ميزانه؛ لأنه تافه ورخيص لا قيمة له عند الله:{فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}[الكهف:١٠٥] يسحب على وجهه إلى النار، لا يمشي مشياً، هل يريد أحداً أن يمشي إلى النار؟ لا.
لكن الله عز وجل قال:{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}[القمر:٤٨] ويقول الله عز وجل: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً}[الإسراء:٩٧] وبعد ذلك إذا وصلوا إلى النار يدفعون فيها: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الطور:١٣ - ١٦] نعوذ بالله وإياكم من سخط الله.
وفي النار -أيها الإخوة- ما لا يتصوره العقل، يقول الله عز وجل:{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}[الزمر:٤٧] يبدو لهم من العذاب ما لم يخطر لهم في بال وكما أن في الجنة ما لا يتصوره العقل وكذلك أيضاً ففي النار ما لا يتصوره العقل من العذاب، نعوذ بالله وإياكم من عذاب النار.