في القبر والحفرة المظلمة يثبتك الله عز وجل بالإيمان، فتلهم حجتك إذا سئلت الأسئلة الرهيبة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ هناك يجيب عنك الإيمان ويقول: ربي الله، ديني الإسلام، ونبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم يوم تقوم من قبرك، وأنت فزع مرهوب، ليس فزع حرب، لا.
بل فزع يوم القيامة، فزع تشيب منه مفارق الولدان:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:١ - ٢]{يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً}[المزمل:١٧] الصغار تشيب رءوسهم، وأنت تقوم في ذلك اليوم آمناً لا خوف عليك ولا تحزن.
وبعد ذلك تمر على الصراط كالبرق الخاطف، وتشرب من حوض النبي شربة لا تظمأ بعدها أبداً، ويوزن عملك فترجح موازينك، ثم تأخذ كتابك بيمينك، ثم تعلنه على الخلائق وتقول:{هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ}[الحاقة:١٩] انظروا أنا عملي صحيح، أنا تعبت، أنا غضيت بصري وجاهدت، أنا صنت سمعي وتعبت، أنا حجزت نفسي عن الحرام، كان الناس ينظرون وأنا لا أنظر، وأحتسب ذلك عند الله، كان الناس يذهبون ويسكرون ويزنون وأنا لا أذهب وأحتسب ذلك عند الله، والآن نجحت في الامتحان، انظروا شهادتي! {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة:١٩ - ٢٠] قال الله: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}[الحاقة:٢١]-نسأل الله من فضله- {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ}[الحاقة:٢٢ - ٢٤] ليس بما لعبتم، ولا غفلتم، ولا جمعتم، ولا توظفتم، ولكن:{بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة:٢٤].
هذه الأيام الخالية نملؤها الآن إما بالعمل الصالح أو بالعمل السيئ، وسيجد كل إنسان ما عمل:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}[آل عمران:٣٠] وبعد ذلك تدخل الجنة يا عبد الله! يا صاحب الإيمان! فيقال لك فيها: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الزخرف:٧٠ - ٧٢].
في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، تسمع خطاب الرحمن، وتنظر إلى وجه الرحمن، وتتغذى من غذاء الجنة، ويأتيك من نعيمها:{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ}[الواقعة:١٨ - ٢٠]{لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ}[الواقعة:٣٣]، ومن كل ما لذ وطاب، خالدين فيها مادامت السماوات والأرض كل ذلك بسبب الإيمان، فهل الإيمان ضروري أم لا؟ هل هناك أحد عنده شك؟ نعم والله، الإيمان ضروري أيها الإخوة!