[نعمة البصر]
نعمة العين وما أجلها من نعمة! امتن الله بها في القرآن فقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} [البلد:٨] فهذه من أعظم النعم، والناس اليوم يصرفون هذه النعمة في معصية الله، والله لو شاء لطمس على أعينهم، ولكنه مدهم بهاتين العينين وطلب منهم أن يستعملوها فيما يرضيه وأن يستعينوا بها على ما يحبه في هذه الدنيا، وبدلاً من ذلك استعملت العين في الحرام عند كثيرٍ من الناس، فسخروا أبصارهم للنظر إلى ما حرم الله بالليل والنهار، ينظرون إلى النساء والجرائد والمجلات والأفلام والمسلسلات، وينظرون إلى الناس بعين الازدراء والاحتقار والحسد على ما متعهم الله به من النعم، وهذه المناظر كلها محرمة، وقد قال الله في القرآن الكريم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠] وقال: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه:١٣١].
فأنت بهاتين العينين اللتين هما من أجلِّ نعم الله عليك ينبغي أن تشكر هذه النعمة، فلا تستعملها في معصية الله، وهي والله الذي لا إله إلا هو من أجلِّ النعم؛ لأنك إذا فقدتها فقدت لذة الحياة كلها، والمرء منّا لا يعرف النعمة إلا إذا سلبها، فمتى يعرف الواحد منا العافية؟ إذا مرض.
ومتى يعرف نعمة الشبع؟ إذا جاع، ومتى يعرف نعمة الحرية؟ إذا سُجن، ومتى يعرف نعمة الغنى؟ إذا افتقر، كذلك لا تعرف نعمة البصر إلا إذا مرضت عينك.
ولو أن شخصاً منا أجرى تجربة بسيطة وأطبق عينه لمدة خمس دقائق، وأنا حاولت يوماً من الأيام أن أطبق عيني وضبطت الساعة وجعلتها مثلاً على الساعة السابعة إلا خمساً وقلت لن أفتحها إلا السابعة، وبعد دقيقة شعرت بضيق كبير، وبإمكانكم أن تجربوا، ضاقت عليَّ الأرض وأريد أن أفتح عيناي؛ لكن قد ألزمت نفسي أني لا أفتح فتراني لا أطالع في الساعة، وفي نفس الوقت أنتظر وبعد فترة بعيدة قمت وفتحت عيني وطالعت وإذا بها لم تمض إلا دقيقة واحدة، وأنا قد أصابني دوار من كثرة الإغماض، وأظلمت الحياة في وجهي، ثم قلت: بقي أربع دقائق فصبرت وصبرت حتى مللت، وأخيراً فتحت قليلاً ولم تمضِ إلا دقيقتان، ولم تنته الخمس الدقائق إلا بعد تعب، لماذا؟ لأنني سُجنت لما أظلمت عليَّ عيني ولم أعد أرى شيئاً.
فأنت عندما تفتح عينيك ترى العالم والألوان والجمال والسماء والأرض والليل والنهار والأشجار والأنهار والبحار والسيارات والطائرات والمباني، وما يزين الناس به بيوتهم من طلاءات ومفارش وكنبات وغرف نوم، وما يُمتِع به الناس أبصارهم من أزواجٍ جميلات، وملابس مزركشات، وسيارات وموديلات، كل هذا من أجل ماذا؟ من أجل نعمة العين، وإلا فالذي لا يبصر ماذا عليه؟ فلو أدخلته في مجلس طوله مائة مترٍ أو مجلس طوله متر تراه يريد أن يجلس فقط.
لكن الذي أعطاه الله نعمة البصر، يقول: أريد مجلساً طويلاً؛ لماذا؟ قال: المجلس الواسع يشرح الصدر، إذا جلست في غرفة طويلة انشرح صدري، أما ذاك الأعمى فإنه لا يدري هل هو في مجلس مائة متر فينشرح صدره أو في غرفة عرضها متراً في متر.
وكذلك الآن الكهرباء لماذا يتفنن الناس بالثريات؟ ولو انطفأت الكهرباء في الليل وهم ساهرون أليس أصحاب الأبصار كلهم ينزعجون وترتبك عليهم حياتهم، ويبحثون عن بديل من كبريت ومصباح، أما الأعمى فلا يدري؛ لأن الكهرباء منطفئة عنده مدى الحياة إلا أن يشاء الله.
وأنت ربي أعطاك عينين، فهذه نعمة من نعم الله عليك، لا تعرف قدرها إلى إذا سلبتها، وهذه النعمة معك في كل وقت، ترى فيها متى شئت على مدار أربع وعشرين ساعة، ألا تعلم أن هذه النعمة أنت مسئول عنها يوم القيامة: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:٨] فما هو النعيم؟ فهل نتصور أننا مسئولون عن البطون فقط؟ لا، فكل نعمة يجريها الله عليك أنت مسئولٌ عنها بين يدي الله، هل حفظتها أم ضيعتها؟ هل شكرتها أم كفرتها؟ هل سخرتها واستخدمتها فيما يرضي مُسديها ومنعمها، أم استخدمتها فيما يغضبه؟ أليست هذه العين من الله؟ هل أنت اشتريتها أو ركبتها في مصنع أو ورشة؟ هل أمك أو أبوك أخذوها ووضعوها في رأسك؟ فمن الذي أعطاك إياها؟ إنه الله.
إذاً: أليس الله بقادر على أن يسلبك العينين يوم أن كنت في بطن أمك؟ كان بالإمكان أن تخرج وليس لك عيون، فليس بيدك شيء، وكذلك الآن أليس الله بقادر على أن يسلبك هذه النعمة؟ بلى، فمن يعوضك نعمة البصر؟ قد يقول شخص منا: المستشفيات، فنقول له: إن المستشفيات الآن عاجزة عن أن تعمل عمليات لبعض العيون، حتى في أرقى المستشفيات التخصصية للعيون في العالم يأتيهم الأعمى ويقولون: لا يوجد فائدة القرنية عندك ملتهبة لا نستطيع بأي حال من الأحوال، فكيف يأتون لك بعين، فهذه نعمة العين.
إذاً: هل تبيع هذه النعمة؟! حتى تعرف قدرها؟ لنعمل مزايدة على عين من عيون شخص منا، فنعطيه مليون ريال أو مليونين، أو عشرة ملايين، والله الذي لا إله إلا هو -أنا عن نفسي- لو أعطيت الأرض من أولها إلى آخرها وقيل لي: تعال نجعلك ملكاً أو رئيساً على جميع دول الأرض ونأخذ عينك فلن أعطيهم، لماذا؟ لأنك تملك الأرض كلها فأنت أغنى أهل الأرض بعين، وأعطاك الله عينين، فهذه نعمة اشكروا الله عليها.
فأنت تقول في استيقاظك: (الحمد لله الذي عافاني في جسدي) عافاني في أسناني وأذني وعيني وأنفي.