للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعوة إلى الله وتحميل تبعاتها للمسلمين]

كان الأنبياء عليهم السلام يدعون إلى دين الله، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء وبعد ذلك أتاه الموت، كما قال الله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠] وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:٣٤ - ٣٥] هل بقاء الدين واستمراريته مرهون ببقاء النبي صلى الله عليه وسلم؟ لو كان ذلك لما اختاره الله إلى جواره ولما مات؛ من أجل أن يستمر الدين، لكن الله قضى أن يموت محمد صلى الله عليه وسلم، وأن تبقى الرسالة إلى يوم القيامة.

والأجيال التي تأتي من يدعوها إلى الله؟ لم يعد هناك رسول يُبعث، والرسول الخاتم مات، فلم يجعل الله سبحانه وتعالى مسئولية الدعوة في هذه الأمة على الرسول فقط وإنما عليه وعلى كل من تبعه إلى يوم القيامة، قال الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا} [يوسف:١٠٨] أنا وحدي فقط، لا {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨] إذاً ليس لك خيار في المسألة، ما دمت اتبعت الرسول فيلزمك أن تكون داعية شئت أم أبيت، ولم يكن أحد -أيها الإخوة- من الصحابة يفهم أن بإمكانه أن يعيش مسلماً دون أن يكون داعية إلى الله.

بل كان الرجل منهم يسْلم ويأخذ حديثاً أو حديثين أو آية أو آيتين ويرجع مباشرةً إلى قومه داعية، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وكان هناك مجموعة من الجن من وادي نصيبين في اليمن فمروا فصرفهم الله عز وجل لحضور القرآن وسماعه، وذكر الله القصة في سورة الأحقاف: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:٢٩] دعاة من أول ليلة {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف:٣١] لماذا؟ حتى يستمر هذا الدين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

وهناك دعوة مضادة يقوم بها اليهود والنصارى لمسخ الإسلام وعودة الناس إلى الكفر، كما قال الله عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى} [البقرة:١٢٠] و (لن) هنا: الأبدية {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠] ليس حتى تترك دينك فقط.

لا.

هم سيجعلونك تخرج من دينك كخطوة أولى، والخطوة الثانية هي أن تصير مثلهم، ويقول عز وجل: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:١٠٩] ويقول: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:٨٩] فالدعوة المضادة مستمرة من اليهود والنصارى وأعداء الدين والملل، وأبناء الإسلام لا يدعون، إذاًَ كيف يبقى هذا الدين؟ حتى يبقى هذا الدين باعتباره الدين الذي أراده الله، ولأنه ليس هناك دين غير الإسلام قال جل وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥] {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩]؛ جعل الله سبحانه وتعالى مسئولية هذا الدين على كل مسلم.