[مرض الشبهة]
مرض الشبهة من أخطر أمراض القلوب على الإطلاق، لكن ما هي الشبهة؟ قال ابن القيم: رب شبهة أورثت شكاً في دين الله.
شك في الله ووجوده، شك في الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه، شك في الجنة والنار والبعث بعد الموت وعذاب القبر، والدين هل هو صحيح أو غير صحيح؟ هذه شبهة.
من يزرع هذه الشبهة؟ الشيطان.
لماذا؟ ليزعزع الإيمان.
فكيف يكون العلاج؟ كيف أعالج قلبي، بل كيف أحصن قلبي ضد مرض الشبهات؟ قالوا: علاجها اليقين بأخبار الله، فإن الله قد أخبرنا عن نفسه، وناره، والبعث، والملائكة، والجن.
هل أحد أصدق من الله؟ {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:٨٧] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:١٢٢] {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:١١٥] صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام، لا مبدل لكلمات الله، الله أخبرنا؛ أَلاَ نَثِقُ في خبر الله! أيها الإخوة؟! إذا جاءنا خبر من وكالة أو من جريدة مباشرةً نصدق، والله يقول: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:٨٧] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:١٢٢] فعلينا أن نتلقى الأخبار الإلهية باليقين، واليقين هو منتهى درجات التصديق، أي أن يستيقن القلب ويثبت ويطمئن على هذا الكلام أنه حق، فالله يقول في القرآن الكريم: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:٢٣] (الحق) البعث.
ويقول في آية أخرى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:٥٣] إنه حق: أي البعث.
ويقول: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧] إن كان مستحيلاً بالنسبة لكم فهو يسير عند الله، فعالج يا أخي الكريم مرض الشبهات باليقين، وطمئن نفسك أن كل خبر يأتيك من الله ورسول لله تقبله، ولو عارضته الدنيا بأسرها.
وهناك حديث في الصحيحين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليرفعه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء) رواه البخاري ومسلم، وهذا الخبر وقف أمامه شراح الحديث في الماضي موقف المتعجب، أنهم لا يدرون ولا يعرفون كيف يكون في جناح الذباب داء، وفي الثاني دواء، ولا يوجد في ذلك الوقت جامعات، ولا أجهزة رصد علمي، ولا بحوث، ولا كشف، فكان غاية ما يقول الشراح في هذا الحديث: الله أعلم بمراده.
لا ندري ما في هذا الحديث لكن نصدق به، جاء العلم والكشف والبحث العلمي، وجاءوا بالحديث وهذه صورة من صور الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، وجاءوا بالذباب، وعملت التجربة في جامعة الملك عبد العزيز، في مركز الإعجاز العلمي للكتاب والسنة، جاءوا بالذباب في جهاز ووضعوا في الجهاز ماء وهذا الماء معقم بدرجة كبيرة بحيث لا يوجد فيه جرثومة واحدة، وأدخلوا ذباباً بملقط من خرق في صندوق، تحرك حتى تعب ثم وقع في الماء، فلما وقع في الماء التقطوه، وأخذوا عينة من الماء وحللوها فوجدوا أن فيه ملايين الجراثيم بمجرد أن غمس الذباب جناحه الذي هو ملئ بالداء، وبعد قليل أرجعوا الذباب وغمسوه كاملاً، ثم رفعوه، وأخذوا عينة أخرى من الماء نفسه، وحللوها فجدوا أن جميع المكروبات التي كانت فيه قد ماتت كلها.
من أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا؟ هل لديه بحث علمي في الصحراء أو في مكة؟! هو لا يعرف كتابة اسمه صلوات الله وسلامه عليه؛ فهو أُمّي لو وضعت أمامه (أ، ب) لا يعرف ما هي! لكنه عالم البشرية كلها، والمعلم الأمثل للإنسانية لا يعرف أن يكتب حرفاً، لكن علمه الله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:١ - ٥].
هذا المعلم للإنسانية كلها لا يعرف أن يكتب أو يقرأ المكتوب، فكيف يستطيع أن يعرف مثل هذا لولا أن الله أعلمه به؟ فنحن إذا أخبرنا الله بخبر أو أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم علينا أن نسلم ونصدق، ولا نبحث ولا ندخل في قلوبنا الشكوك؛ لأن الشك هذا هو القنبلة التي تنسف الإيمان من القلب، وإذا أصيب القلب بداء الشك ذهب الإيمان وتزعزع اليقين، وخسر الإنسان في الدنيا والآخرة.
هذا مرض القلب الأول: الشبهة.