للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لباس وزينة أهل الجنة]

أما لباسهم فهو الحرير، يقول الله عز وجل: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} [الإنسان:٢١] وهذه الثياب لها خاصية أنها لا تبلى، وكلما طال عليها الزمن تزداد جمالاً وجودة، أما الرجال فيلبسون على رءوسهم التيجان المرصعة باللؤلؤ.

روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة جرد مرد) ليس هناك لحى في الجنة، إذا كان معك لحية في الدنيا وأتعبتك وأزعجتك بالإحراجات وبما يصفك الناس به فاصبر عليها، فإنك في الجنة ستكون أجرد أمرد، من أجل النعيم، لكن إذا كنت أجرد أمرد هنا تكون معك لحية هناك، لكن أين تكون؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! أخي: لا بد أن نتمسك بهذه السنة -أيها الإخوة- هذه السنة ليست شعر، لا.

هذا هدي نبوي، هذا دين، هذا شرع، هذا أمر الله، يقول الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:٧] الرسول أمرنا أن نعفي لحانا، قال: (قصوا الشوارب) (اعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخو اللحى) (أسدلوا اللحى) (خالفوا المجوس) (خالفوا المشركين) كانت لحيته الشريفة ما بين منكبيه، تملئ وجهه.

فالقضية ليست قضية شعر، وإنما قضية انتماء، قضية اعتزاز، قضية فخر، قضية محبة للرسول صلى الله عليه وسلم.

من أحب مخلوق عندك أنت أيها المسلم؟! إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من الرجل المثالي في كل حياتك، والذي تتشرف أنت أن تكون من أتباعه ومتأسٍ به؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولهذا قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١] هذا الذي يكون له أسوة في رسول الله، من كان يرجو الله، ويرجو ما عند الله، وذكر الله كثيراً، أما من يحلق لحيته ويعتدي عليها -أيها الإخوة- فإنه يخالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ويخالف أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول يقول: (أكرموا اللحى) فهل أكرمها مَن حلقها؟ لا والله.

بل أهانها، أين يحلق الرجل لحيته؟ إما في غسالة البيت، وتذهب بعد ذلك في المجاري أو عند الحلاق، يحلقها ثم يدوس عليها برجله، ثم يكنسها بالمكنسة، ويضعها في صندوق القمامة، ثم تمر سيارة البلدية ويدعيهم فيقول: خذوا ثمانين لحية واذهبوا بها إلى المحرقة.

هذه لحى المجرمين! أكرم ما فيك وجهك ولحيتك، ولهذا لو جاء شخص وجذب لحيتك فإنك تأكله، كل شيء يهون فيك إلا لحيتك، وكان الآباء والأجداد يوم أن كان للحية قيمة إذا قال الشخص كلمة وأراد أن يلتزم بها قال: في لحيتي، يعني: انتهى.

لكن الآن لو قال لك: في لحيته، يعني في ماذا؟ في عظمه، ولا وحول ولا قوة إلا بالله! (إن أهل الجنة جرد مرد كحل، لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم، عليهم التيجان، وإن لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، وأما النساء فيلبسن على رءوسهن الخمر) سبحان الله! يقول العلماء: إن المؤمن والمؤمنة في الجنة يعفيان من كل تكاليف الشرع الإسلامي، لا صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولا حج ولا بر، ولا شيء، ليس هناك إلا أكل ونكاح، حتى النوم لا يوجد، لماذا؟ قال العلماء: لأن النوم في الجنة يفوت على الشخص النعيم؛ ولأنه إذا نام فاته الأكل والشرب والنكاح، ولا يوجد نوم في النار، لماذا؟ لأن النوم يريحهم من العذاب، ولهذا قال الله: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} [النبأ:٢٤] قالوا: البرد يعني: النوم، لا يذوقون النوم، فأهل الجنة لا ينامون حتى لا يفوتهم شيء من النعيم، وأهل النار لا ينامون حتى لا يستريحون من العذاب.

إلا تكليف واحد أبقاه الله على النساء في الجنة، وهو: الحجاب.

ولهذا قال الله: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:٧٢] أي: محجبات، والمرأة في الجنة وهي في الجنة أيضاً محجبة، وهذا شرف عظيم لها، أن الله عز وجل يغار عليها في الدنيا ويغار عليها أيضاً في الجنة، وعلى رءوسهن الخمر، وقد علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن خمارها أي: غطاءها خير من الدنيا وما فيها.

وأما الزينة والحلي، فهي أسوار، يقول الله عز وجل: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج:٢٣] ويقول: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان:٢١] والحديث في سنن الترمذي يقول عليه الصلاة والسلام: (لو أن رجلاً من أهل الجنة طلع فبدا إسوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم) الآن في الليل هل ترون النجوم؟ نعم.

لكن في الصباح والنهار هل نراها؟ لا.

هي موجودة ونورها موجود لكن لا نراه، لماذا؟ لأن الشمس طمسته، كذلك لو طلعت إسورة فقط من حلي مؤمن من أهل الجنة لطمست الشمس كما تطمس الشمس النجوم، فلن ترى الشمس من بريق إسورة فقط من أساور أهل الجنة.

فهذه الجنة -يا أخي- وهذا وصفها.