[من ثمار الإيمان: تحديد الاتجاه والمسار في الحياة الدنيا]
أيضاً ضرورة الإيمان في الدنيا تأتي من أنه يحدد مسارك أيها المكلف، ويرسم اتجاهك، ويجعل لك خط بداية ونهاية، ويجعل لك أيضاً خطة عمل في الدنيا، فما هو عملك؟ طاعة الله، وبعدك عن معصية الله، أين أذهب اليوم؟ أذهب إلى عملي، ومن العمل إلى بيتي، ومن البيت إلى المسجد، ومن المسجد إلى السوق لشراء أغراضي، هناك عمل آخر بعد ذلك؟ نعم.
زيارة رحم، أو أخ في الله، أو والدين، عمل خير، حضور مجلس علم، المهم مصلحة في الدين أو الدنيا، فإن لم يكن هناك مصلحة في دين أو في دنيا أجلس في بيتي، هذه خطة عمل المؤمن، من الذي رسمها لك؟ إيمانك بالله، لكن بغير الإيمان والدين لا يكون عند الإنسان خطة عمل، فلا يدري أين يتجه، ترمي به الرياح في كل اتجاه، وتخطفه الشياطين في كل مكان، وبعد ذلك يمشي مُكباً على وجهه، لا يدري إلى أين يتجه ولا إلى أين يذهب، يقول الله عز وجل: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:٢٢].
فإذا سار الإنسان على غير هدى واتجاه وقع، وما أكثر من يقع في متاهات هذه الحياة وظلماتها وفتنتها ومشاكلها، يقتل نفساً بغير حق بسبب عدم إيمانه وخوفه من الله، رفقة سوء أخذوه إلى مكان وحصلت هناك مشكلة فقتل -والعياذ بالله- ويزني فيقع في جريمة ليس بعدها جريمة: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:٣٢] بسبب قرناء السوء، وعدم وجود الإيمان الحاجز له عن معصية الله، يرابي، يسرق، يبيع المخدرات أو يروجها أو يتعاطها أو يهربها، يفتك بأعراض المسلمين، يعمل الجرائم، لماذا؟ لأنه ليس عنده إيمان يحجزه، ولو كان عنده إيمان ما فعل هذه الجرائم.
ولذا لو أجريت إحصائية، أو زرت أماكن السجون الإصلاحية ووجدت مجموعة من البشر قابعون في السجون، لوجدت أن كل واحد منهم ما جره إلى هذا المكان إلا ضعف إيمانه، وعدم خوفه من الله عز وجل، تقول له: ما الذي أتى بك إلى هنا؟ قال: الشيطان، والشيطان إنما سلطانه على أوليائه؛ لأن الله يقول: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [النحل:٩٩].
إذا أردت أن يعافيك الله من الشيطان، تسربل بسربال الإيمان، وتسلح بسلاح الإيمان، لن يكون له عليك سلطان أبداً: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:٩٩ - ١٠٠].
إذا أمسكت أول واحد منهم وقلت له: ما قضيتك؟ قال: قاتل، لماذا قتلت يا أخي؟! قال: الشيطان.
ثم إلى آخر: ماذا عندك؟ قال: مخدرات، لماذا؟ قال: الشيطان، ثم إلى الثالث: ماذا عندك؟ قال: سرقت وسيقطعون يدي، لماذا تسرق يا أخي! ألم يكن هناك مجال للعمل؟ قال: الشيطان.
من هذا الشيطان؟ الشيطان هو القوة الخفية التي هجمت على النفس البشرية ومزقتها وشتتها في غياب الإيمان، فلو وجد الإيمان والدين والخوف من الله والمراقبة لله، لكان هذا الرجل القاتل في بيته مع زوجته وأولاده، ولكان هذا المدمن الذي يتناول المخدرات وهذا السارق في بيته، ولعاش كل واحد منهم عيشةً آمنة مطمئنة ملؤها الهدوء والاستقرار والأمن والأمان بسبب الإيمان: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢].
نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا الأمن الكامل في قلوبنا بالإيمان المطمئن الذي يطمئننا على ديننا، فهذه ثمرة من ثمار الإيمان، أنه يحدد اتجاهك في الحياة، فتبقى متجهاً دائماً إلى الطريق المستقيم؛ لأن لديك إيمان، يقول الله: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد:١٢] ويقول: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:٥٢].
فالقرآن والسنّة والإيمان نور يهدي الله به أهل الإيمان في هذه الدنيا، حتى يخرجوا منها وهم سالمون: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩].
لكن بغير الإيمان -والعياذ بالله- من الذي يحكم تصرفاتك؟ ويحدد اتجاهاتك؟ ويضبط أعمالك؟ لا شيء.
تغدو وتروح في كل اتجاه، وإذا وقعت تقول: يا ليتني ما عملت.
وهنا أذكر لكم قصة عن شاب مسكين قُتل في السوق، أزيح رأسه من على جثته بسبب قرناء السوء، وقصة هذا الرجل: أنه كان نائماً في فراشه وقد لبس ثوب نومه، وإذا بطارق يطرق الباب، فترفع أمه سماعة هاتف الباب وتقول: من؟ فيقول: فلان، قالت: من تريد؟ قال: أريد فلاناً أنا زميله، فقالت له: قد نام، قال: أيقظيه، قالت: لا نقدر أن نوقظه، قد رقد -هذا في الساعة الثانية عشرة ليلاً، من الذي يأتي يطلب الناس في نصف الليل؟! - قال: أيقظيه فلدي أمر ضروري جداً.
فقالت الأم: إنا لله وإنا إليه راجعون، وطرقت الباب عليه، يا فلان! قال: نعم.
قالت: فلان على الباب يريدك في أمر ضروري، فقام كالحصان، ولو أنها أيقظته للصلاة أو ليحضر لهم لبناً من السوق أو ليأتي لهم بأي غرض ما استيقظ، بل لو أن أمه مرضت وستموت ودعوه أن يذهب بأمه إلى المستشفى ما استيقظ، لكن لما دعاه زميل السوء قفز كالحصان.
قال: أنا فلان، قال: ما تريد؟ قال: أريدك في أمر ضروري، البس وخذ مسدسك وتعال، فدخل غرفته ولبس ثوبه وأخذ مسدسه وخرج، وقال: أنا الليلة لدي موعد مع صيد.
فهم يصطادون لكن يصطادون محارم الله، فبئس الصيد وبئس الصياد! فلو أنك تصطاد أعداء الله مثلما يفعل إخوانك الذين يصطادون الكفار في أفغانستان هناك شباب في أفغانستان من هذه الديار، كل ليلة يصطادون رأساً أو رأسين من أهل الكفر، هؤلاء هم الصيادون، الذين يصيدون أعداء الله من الكفار والشيوعيين، لكن هذا يصيد محارم الله، يصيد أعراض المسلمين.
قال: عندي صيد مواعدها وأريدك أن تحميني، أي: تحرسني إذا دخلت، قال: أبشر، فخرج معه وسارا في الطريق إلى أن وصلا إلى البيت المراد غزوه واصطياد ما فيه، فقال له: اجلس عند هذه الشجرة حتى تسمع مني صوتاً، أو تسمع أي صوت فتناديني.
ثم دخل الآخر إلى البيت وتسلق السور، ولما دخل وأصبح بداخل البيت أحس به صاحب البيت، فحمل سلاحه وطارده، فلما رآه هرب واستطاع أن يفلت منه، ثم فتح صاحب البيت الباب فلم يجد سوى الحامي -الراقد في فراشه- فلما رآه انهال عليه ضرباً، فلم يجد ذاك فرصة في الدفاع عن نفسه إلا بالمسدس، فأخرج مسدسه وقتله قتل زوج هذه المرأة الخبيثة، وطبعاً حضر رجال الأمن وأمسكوا هذا الرجل وسلاحه يشهد عليه، فلا تزال حرارة الطلقة موجودة في السلاح، فأُخذ إلى السجن واعترف، وأتى بالقصة كاملة، ثم أتوا بصاحبه هذا، وحققوا معه، فقال: أبداً لا أعرفه ولا يعرفني، ولا أتيته ولا آتاني، ويشهد الشهود أني في القرية الفلانية من المغرب إلى الفجر، وفعلاً أتى له بشهود من أهل القرية يشهدون أنه ما خرج من القرية ولا فارقها، فلم يَثبت عليه شيء، وثبت القصاص على هذا، وأخرج إلى السوق ليقتل.
شاب في مقتبل أيامه، في العشرين من عمره، ما الذي قتله أيها الإخوة؟! الشيطان عندما انعدم إيمانه بالله، فلو أنه مؤمن وعنده إيمان والتزام ودعاه هذا الرجل إلى مثل هذه الجريمة، فقال له: اتق الله يا عبد الله! خف من الله! أكان يأتيه شيء من هذا؟ فالإيمان يضبطك ويحميك من أن تقتل، أو تسرق، أو تزني، أو ترابي، أو تعتدي وتهرب، ولذا تعيش آمناً طوال حياتك، متنقلاً في مصالحك من مسجدك إلى عملك إلى بيتك، إلى ما يحبه الله ويرضاه، لكن بغير الإيمان لا تدري أين تضع قدمك، مرة في الطين، ومرة في الوحل، ومرة في الأشواك، ومرة في المسامير، ومرة في النار، فلا تضعها في الصواب أبداً.
إذاً: من الذي يقودك في هذا؟ الشيطان، لأنك بغير إيمان أعمى، وتصوروا شخصاً أعمى يقوده عدوه، أين يذهب به؟ أعمى وعدوه يقوده، هل يذهب به إلى بيته أم يذهب به إلى الحفرة؟ حتى لو أنه أراد أن يمشي في الطريق الصحيح، لقال له: إلى شمال من أجل أن يقع.
فالإنسان الأعمى هو الذي ليس عنده دين، فهل تتصور أن يقوده الشيطان إلى خير؟ لكن يا أخي الكريم! افتح عينيك على طريقك، وابصر بالإيمان، يقول الله تبارك وتعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢] هل يستوي هذا الذي له نور يمشي به في الناس، ليس راقداً ولا نائماً، يمشي بنوره، وبإيمانه، ويتحرك في الحياة بهذا الإيمان: {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢] فالمؤمن معه نور يمشي به، فإذا حضره الزنا قال: إني أخاف الله رب العالمين.
إذا حضره الربا قال: لا.
(لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) إذا حضرته المخدرات قال: لا.
السيف بتار، لا تصلح لنا هذه المخدرات إذا حضره العقوق قال: أبداً، لماذا؟ لأن عنده إيمان، ولكن بغير الإيمان والدين يقوده الشيطان ويضع خطواته في كل مصيبة، ثم يتخلى عنه، فلا يفارقه إلى أن يدخله النار.
فإذا أدخله جهنم والعياذ بالله قال له: كما قال الله عز وجل في سورة النحل: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:٢٢].