[من خصائص الصلاة أنها لا تسقط عن العبد في جميع الأحوال]
إن الصلاة عبادة لازمة للعبد المسلم لا تنفك عنه بحال من الأحوال، إذ أن كل عبادة تجب في أحوال وتسقط في أحوال إلا الصلاة -فمثلاً- الزكاة: ركن من أركان الدين ومبنى من مبانيه وعمود من أعمدته، ولا يكمل إيمان الإنسان ولا يقوم دينه إلا بالصلاة والزكاة.
ولهذا لما منع المرتدون الزكاة في عهد أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم واستباح دماءهم وأعراضهم وقال: [والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه] فقد اعتبرهم مرتدين عن دين الله؛ لأنهم رفضوا الزكاة، لكن الزكاة تسقط في أحوال، فالذي ليس عنده مال ليس عليه زكاة، والذي عنده مال وما حال عليه الحول ليس فيه زكاة، والذي عنده مال وحال عليه الحول ولكنه لم يبلغ النصاب ليس فيه زكاة، والذي عنده مال وحال عليه الحول وبلغ النصاب لكن لا يملكه فليس عليه زكاة، فالزكاة ركن لكنها تسقط في أحوال.
والصيام ركن يجب على الإنسان في كل عام شهراً، لكن إذا كان الإنسان مريضاً أو على سفر أباح الله له أن يفطر وأن يقضي من أيام أخر، ولكن إذا استمر به المرض وكان مرضاً لا يرجى برؤه فإنه يسقط عليه الصوم ويجب عليه الإطعام إن كان قادراً، فإن لم يستطع الإطعام سقط عنه الصوم والإطعام.
والحج ركن من أركان الدين لكنه يجب بثلاثة شروط: أمن الطريق، ووجود الزاد، ووجود الراحلة، فإذا كان الطريق غير آمن بحيث لو حججت قتلت سقط عنك الحج، وإذا لم يكن عندك زاد يكفيك في سفرك ويكفي أهلك من بعدك حتى تعود وليس عندك راحلة سقط عنك الحج، كما قال تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:٩٧] وهكذا كل الشرائع الدينية تسقط في حالات إذا عجز الإنسان عنها.
أما الصلاة فلا تسقط فإن كنت مريضاً تصلي وإن كنت متعافياً تصلي، يقول عمران بن الحصين كما قال عليه الصلاة والسلام: (صل قائماً، فإن لم تستطع -وكنت مريضاً- فقاعداً، فإن لم تستطع -وكنت لا تستطيع حتى أن تجلس من المرض- فعلى جنب، فإن -كنت وأنت على جنب- لم تستطع فأومئ إيماءً بطرفك).
وإذا كنت على غير طهارة فالمطلوب الطهارة؛ لأن الطهارة مفتاح الصلاة، ولكنك إذا لم تستطع الوضوء، كأن تكون في المستشفى وعملت عملية وبطنك مفتوح وثيابك ملطخة ولا تستطيع أن تبدل هذه الثياب المتنجسة، ولا تستطيع أن تتوضأ فصلي في ثيابك، ولو كانت غير طاهرة؛ لأن هذا لا تستطيعه.
وإذا ما كان عندك ماء وما قدرت أن تتوضأ فتيمم، فإن لم تستطع أن تتيمم فصل بغير تيمم ولا وضوء وصلاتك صحيحة.
وإذا كنت على السرير ولا تستطيع أن تحوله إلى القبلة فصل إلى أي وجهه {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:١١٥] فلا تسقط عنك الصلاة في أي حال من الأحوال في حال المرض.
والبلية والمصيبة أن بعض الناس إذا مرض ترك الصلاة، لماذا؟ قال: أصلي إذا تعافيت، سبحان الله!! وهل تضمن العافية؟ يوم قربت من أيام الامتحان -لأن المرض هذا وسيلة إلى الموت- وأنت تصلي طوال حياتك ويوم جاء المرض الذي يمكن أن تخرج منه فتترك الصلاة على أمل أنك تتعافى؟! من يضمن لك العافية؟ بل صل على أي وجه حتى لو تومئ بطرفك، فالصلاة واجبة ولا تسقط عن الإنسان في حال العافية والمرض.
والصلاة واجبة على الإنسان في حال الإقامة والسفر، في حال السفر يسقط عنك الصوم ويجوز لك أن تفطر وتقضي فيما بعد، لكن الصلاة لا تتركها وتقضي فيما بعد، صلِّ وأنت مقيم وتصلي وأنت مسافر.
ولكن من رحمة الله عز وجل بهذا العبد أن خفف عليه، فإذا كنت مسافراً فبدل أن تقف مرتين في صلاة الظهر والعصر قف مرة وصل الظهر والعصر سواء، وإذا كنت مسافراً وبدل أن تقف مرتين للمغرب والعشاء صل المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير.
ومن رحمة الله عز وجل أن جعل الصلاة الرباعية التي هي أربع ركعات ركعتين تصلي الظهر والعصر اثنتين والمغرب ثلاثاً ولا تقصرها؛ لأنها وتراً، والعشاء اثنتان، والفجر هي مقصورة في طبيعة الحال.
هذه رحمة من الله تبارك وتعالى، ولكن لا تدع الصلاة في حال السفر ولا في حال الإقامة ولا في حال المرض وكذلك في حال الخوف، أي: القتال، فإذا اشتبكت الجيوش الإسلامية مع جيوش الكفر فإن مبرر الجهاد لإعلاء كلمة الله كافٍ أن يكون الإنسان مشغولاً عن الصلاة بعمل أعظم وهو الجهاد الذي هو ذروة سنام الدين، فكان يمكن أن يكون للإنسان عذر لو أخر الصلاة؛ لكن لا تؤخر الصلاة حتى في الجهاد، كيف أصلي وأنا مجاهد؟ لقد نظم الله عز وجل صلاة الخوف وشرعها في القرآن الكريم: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء:١٠٢] ثم ذكر الله عز وجل كيفية أداء الصلاة بأن ينقسم الجيش إلى قسمين، وأن يكون لهم إمام، قسم يصلي وقسم يقاتل، والإمام يصلي ركعة ثم ينتظر، وهؤلاء الذين صلوا يتمون الركعة الثانية لوحدهم ويسلمون، والإمام لا يزال واقفاً في الركعة الأولى، ثم يأتي القسم الثاني فيدخلون معه ثم يصلي الإمام الركعة الثانية وهم يصلون الركعة الأولى، ثم ينصرف ويقومون هم ليقضوا ركعتهم الثانية، هذه صلاة الخوف والجيوش محتدمة والسيوف مصلتة ولكن لابد من الصلاة، فهذه صلاة فكيف تضيعون الصلاة؟ وهل تنصرون إلا بالصلاة؟ إن الصلاة هي وسيلة النصر على الأعداء فكيف نضيع سلاحنا؟! كيف نضيع وسائل نصرنا؟ فمن أجل أن نقاتل أعداء الله، لا بد أن نصلي.
فإذا اشتبكت الجيوش فليس هناك مجال، فيقسم الناس صفاً صفاً أي: ينتظر أو يقاتل، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ} [البقرة:٢٣٩] أي: اختلط الحابل بالنابل: {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة:٢٣٩] أي: صلوا وأنتم وقوف على أرجلكم، أو ركباناً على خيولكم وعلى جمالكم وعلى -بالمفهوم الحديث- سياراتكم ودباباتكم، المهم أن تصلوا، لا يمر عليك وقت الصلاة وتتركها وتقول: أقاتل.
لا إله إلا الله! لا إله إلا الله!