للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة شعور الأحياء بحال الأموات]

سبق الكلام أيها الإخوة! عن عذاب القبر وهل يعرفه أحد من البشر وقلنا: إن الله عز وجل قد أعطى لرسوله صلى الله عليه وسلم قدرةً على سماع المعذبين في قبورهم وثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة التي سقناها في الليلة الماضية، لكن هناك أسئلة، منها: هل يسمع عذاب أو نعيم القبر أحدٌ من الناس غير الأنبياء والرسل؟ هذا ما تحدث عنه أهل العلم في كتبهم فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الرابع والعشرين من فتاواه وفي المجلد الخامس من الفتاوى يقول: لم يزل الناس يتحدثون عن سماعهم أو رؤيتهم للمعذبين في قبورهم.

يعني في حالة اليقظة يتحدثون عن سماعهم وعن رؤيتهم للذين يعذبون في قبورهم أو ينعمون في قبورهم، ومن هؤلاء ثقاة أعلام لا مطعن في دينهم ولا شك في أمانتهم، ثم يقول: قد يكشف لكثيرٍ من أبناء زماننا هذا العذاب أو هذا النعيم في اليقظة وفي المنام ويعلمون ذلك ويتحققون منه وعندنا من ذلك أمور كثيرة.

يقول رحمه الله: عنده من الأخبار والمشاهدات التي نقلت عن الثقاة الذين لا يشك في دينهم وأمانتهم عنده من ذلك أخبارٌ كثيرة، وهذا حق فإنه في كل زمانٍ وفي كل مكان يكشف الله تبارك وتعالى لأفرادٍ من الأمة شيئاً مما يحدث لأصحاب القبور من نعيم أو عذاب للزيادة في إقامة الحجة ولهداية، من شاء الله هدايته: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:٤٢] وقد سبق أن ذكرت في مناسبة في غير هذا المسجد قصتين مما كشف لأصحاب هذه الدنيا من عذاب القبر ومن نعيمه، وهاتان القصتان سمعتهما بأذني ممن حضرهما وهو ثبتٌ صادق لا أشك في دينه وأمانته، وأعرفه باسمه وعمله ودراسته وقد حضر القصة وعاصرها: فالأول هو الشيخ صالح الراجحي وكان يعمل مع شركة ابن لادن، وكان الرجل صاحب القصة -وهو عم الشاب- يعمل عنده سائق جرافه، وكان طالب علم مستفيد، وكان يحضر معنا كل الندوات.

والقصة لشابٍ أكرمه الله عز وجل بالجنة ورضي عنه وأدخله في رحمته، وحدثت في القصيم والذي يحدثني بها هو الذي حضر القصة وشم الرائحة بأنفه، وكان مقيماً في أثناء الحادث وملخص القصة: أن أحد الشباب الذين هداهم الله ونشئوا في طاعة الله، فلا يعرف إلا الله والقرآن والمسجد والصلاة، حتى ذكر عنه أنه لم يُر مرةً واحدة يلعب مع صبيٍ في الشارع، وإنما كان طريقه من المسجد إلى البيت، وشاء الله عز وجل أن يبلغ مبلغ الرجال وأن يكون قد حفظ أكثر كتب أهل العلم بعد حفظه لكتاب الله عز وجل، وبعد ذلك مرض، وأشرف عمه -لأن والده متوفى- على تمريضه، ومكث مريضاً أسبوعاً ثم بعد ذلك توفي وقدم إلى رحمة الله، وكانت وفاته قبل صلاة الظهر، وأراد عمه أن يدعو الناس للمشاركة في دفنه ولكن الجو كان حاراً والناس غير مجتمعين في مكان معين، فرأى أن من الأنسب أن يؤجل الدفن حتى يجتمع الناس لصلاة الظهر ثم يخبرهم، فغطى الولد بغطاء، ونام عند رأسه من أجل أن يستريح؛ لأنه كان قد تعب خلال تمريضه في ساعات المرض، ويحدث عن نفسه فيقول: بينما هو في المنام إذ أقبل عليه مجموعة من النساء علم من رؤيتهن ومن جمالهن وشكلهن أنهن لسن من نساء الدنيا، وإذا بهن يسلمن عليه قائلات: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فرد عليهن السلام، فقلن له: نسألك بالله يا شيخ! إلا عجلت علينا بهذا الشاب، فقال: من أنتن؟ قلن: نحن زوجاته من الحور العين في الجنة، ونحن في انتظاره على أحر من الجمر وأنت تنام! ففزع الرجل من نومه وقام فرحاً؛ لأنه اعتقد أن من هؤلاء الحور في انتظاره فما مات، بل هو يزف ولكن لا يزف إلى زوجةٍ من نساء الدنيا وإنما يزف إلى زوجاتٍ من الحور العين اللائي قال الله فيهن: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:٣٥ - ٣٨] نسأل الله وإياكم من فضله.

فقام الرجل ودعا الناس وسارع في تشييع الجنازة ودفنها، وكل من دخل الغرفة من الناس يقول: يا شيخ! عندك رائحة غريبة، رائحة كأطيب ريح وجد على وجه الأرض، ريح العود لكن ليس ريح الدنيا، فكان يسكت ولا يحدث إلى أن مرت عليه قرابة الشهرين فحدث بالخبر فانقطعت الرائحة من ذلك المكان.

فهذه قصة لأهل الإيمان اللهم اجعلنا منهم وثبتنا على الإيمان حتى نلقاك.

أما القصة الأخرى فهي لشابٍ مات على الكفر والضلال والعياذ بالله بشهادة أهله ووالده، وينقلها لنا أحد الإخوة الذين أعرفهم وزاملتهم في شركة كهرباء الجنوب، واسمه المهندس علي غرم الشهري.

يقول: كنا في خروج للدعوة في مدينة الزرقاء في الأردن، وصلينا الجمعة في أحد مساجدها، وبعد صلاة الجمعة كان معنا مجموعة من طلبة العلم منهم عالم من الكويت، وبينما نحن في المسجد وقد انصرف الناس إذا بالناس يدخلون من أبواب المسجد بشكلٍ غير طبيعي وهم يصيحون أين الشيخ؟ أين الشيخ؟ ثم جاءوا إلى الشيخ الكويتي فقالوا له: يا شيخ! يوجد شاب توفي صباح هذا اليوم عن طريق حادث مروري دهسته سيارة من سيارات الشحن، ولما حضرنا قبره وجئنا ووضعناه في القبر فوجئنا بوجود ثعبان عظيم في القبر، فنحن الآن لم نضع الشاب ولا ندري كيف نتصرف، يقول الأخ علي: فقام الشيخ وقمنا كلنا معه، وذهبنا إلى المقبرة ووجدنا هذا الثعبان في وسط القبر، فقلت له: كم حجمه، قال: كان حجمه في غلظ الماسورة بوصتان وهو متلوٍ ورأسه من الداخل، وذنبه من الخارج، رافعاً رأسه وفاتحاً فمه مخرجاً لسانه وعينه بارزة وينظر في الناس، يقول: فقال الشيخ: دعوه واحفروا في مكان آخر، يقول: فذهبنا إلى مكانٍ آخر على بعد مائتين متر فحفرنا قبراً، وبينما نحن في نهايته إذا بالثعبان يخرج من القبر الثاني، فقال الشيخ: انظروا المكان الأول، فذهبنا للأول فلم نجده هناك فقد اخترق الأرض وطلع من القبر الثاني، فقال الشيخ: لو حفرنا ثالثاً ورابعاً فسيخرج منه فلا حيلة إلا أن نخرجه -فحاولوا إخراجه- يقول: فجئنا بعصي وأسياخ وحملناه وأخرجناه من القبر، فجلس على شفير القبر، يقول: والناس كلهم ينظرون، وأصيب أكثر الناس بإغماء وحملتهم سيارات الإسعاف، وحضر رجال الأمن ومنعوا الاقتراب من القبر إلا العلماء وذوي الميت، يقول: وبينما جيء بالجنازة وأدخلت في القبر ووضعت من قبل أهل الميت ونحن واقفون إذا بذلك الثعبان يتحرك حركةً عظيمة، ثار على إثرها الغبار وملأ أرجاء المكان، يقول: ثم دخل من أسفل القبر ولما تحرك فرَّ كل من حول القبر، والذين بداخل القبر صعدوا وفروا من الخوف، يقول: فالتوى عليه بدءاً من أرجله حتى وصل إلى رأسه، ثم اشتد عليه فحطمه يقول: والله إننا كنا نسمع تحطيم عظامه كما تحطم حزمة الكراث، يقول: ثم لما هدأت الغبرة وسكن الأمر جئنا ننظر، وإذا به على هذا الوضع متلو عليه، يقول: فما استطعنا أن نفعل شيئاً قال الشيخ: ادفنوه، قال: فوضعنا اللبنات ودفناه وذهبنا عنه وعدنا إلى المسجد ثم ذهبنا إلى بيت العزاء لنعزي ونسأل عن حاله؟ فسألنا والد الشاب، قلنا: كيف كان ولدك، وماذا عمل؟! قال: كان طيباً وطائعاً وولداً جيداً، لكنه كان لا يصلي، مطلقاً.

فهذا والعياذ بالله مصيره المحتوم؛ لأنه كما تعرفون أن ترك الصلاة كفرٌ والعياذ بالله.

فهذه الآيات حدثت في زماننا هذا وأدركناها وفي كل بيئة وفي كل بقعة تقع آيات ودلالات لتدعيم قضية الإيمان بعذاب القبر؛ حتى يهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة.