للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمر بالإنذار وعدم ذكر التبشير]

(قم): والقيام هنا قيام حسي وقيام معنوي، وهذا فيه إشارة إلى تكليفه بأمر الدعوة للناس كافة {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:٢] والرسل عليهم الصلاة والسلام وظيفتهم البشارة والنذارة، كما قال عز وجل في سورة النساء: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:١٦٣ - ١٦٥] فالله عز وجل وضَّح أن الرسل كلهم من نوح إلى محمد وظيفتهم مبشرين ومنذرين، لكن هنا يقول الله: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:٢] ولم يذكر البشارة، لماذا؟ يوجد هناك سر، رغم أن النبوة تتضمن البشارة والنذارة؛ البشارة بالجنة والسعادة في الدنيا والآخرة، والنذارة من العذاب والنار والدمار في الدنيا والآخرة، لكن حالة النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة تقتضي النذارة فقط؛ وذلك لما كان عليه الناس من الشرك، فقد أمعنوا في الكفر، وتجاوزوا الحدود في الضلالات، فإذا جاء ليعطيهم بشارات قد لا يستجيبون، لكن تقريعهم وتخويفهم من عذاب الله بالنذارة، كان هذا أدعى إلى الاستجابة؛ ولهذا خصها بالذكر، رغم أن بعض أهل العلم يقول: إن النذارة تتضمن البشارة، فهو ينذر من عذاب الله ويبشر بنعيم الله الذي يلحق المؤمن إذا هو استجاب لأمر الله وترك طريق الشيطان.

{قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:٢ - ٣] وفي هذه العبارة الصغيرة، إشارة إلى أنه ليس في الوجود أكبر من الله خالق الوجود خالق الإنسانية خالق الكون والحياة، فيجب أن يُعَظِّم إذ لا خالق إلا هو، وما دام أنه لا خالق إلا هو، فليس هناك من يستحق التقدير والتعظيم والتمجيد والتقديس والعبادة إلا هو، فتعظيم غيره ظلم {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:٥٤].

ولذا على الناس أن يعلموا هذه الحقيقة ليتواضع الناس كلهم للكبير المتعال، وفي هذا التوحيد المطلق، يوم أن تعلم أن الله هو الكبير فتوحده، وتخضع لأمره، وتستجيب له دونما سواه، وترفض كل أمر يتعارض مع أمره، فأنت بهذا توحد الله وتعلن العبودية الخالصة له سبحانه وتعالى.