للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا يدخل أحد الجنة بعمله]

الجنة -يا إخواني- لا تنال بالعمل فقط، ولكن العمل ليس إلا سبب فقط، أما هي فتنال بالرحمة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! -لأنهم يعلمون أن عمل الرسول عمل عظيم- قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) ولهذا ورد في الأثر يقول الله: (ادخلوا الجنة برحمتي، واكتسبوها بأعمالكم) الدرجات داخل الجنة بالأعمال، وأما دخول الباب برحمة الله؛ لأن الله عز وجل لو آخذنا على أعمالنا وقال: عليها الجزاء، لضاعت أعمالنا قبل أن تضيع النعم علينا، عملك هذا كله لا يساوي نعمة البصر عندك، الآن تصور أن ليس عندك بصر عافاك الله، أغلق عينيك قليلاً، ما رأيك لو تجعل هذه التغميضة ثابتة لا تفتحها؟ كيف تتحول الحياة بالنسبة لنا؟ من يسوق السيارات الآن إلى البيوت؟ سنكون مثل القطط العمي كلنا، كل واحد يقول: يا ولد أمسكني، أين أذهب؟ أين بيتنا؟ كلنا عمي لا نشاهد شيئاً، فمن الذي أعطاك البصر؟ أمك ركبته في رأسك!! أنت اشتريته من البقالة أو الورشة؟! {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} [البلد:٨] من الذي ركبها لك؟ (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً} [الأحقاف:٢٦] لماذا أعطاك الله العين؟! لكي تنظر بها إلى الفيديو، وتركب دشاً وطول الليل تقفز من قناة إلى قناة، لا.

بعضهم يأخذ (الريموت كنترول) ويتنقل في السماء المليئة بالشر، وتراه يبحث، يطاردها من قناة إلى قناة، كلما غلق مسلسل ينتقل إلى مسلسل، وكلما غلق شر انتقل إلى آخر حتى تيبس عيونه، شخص تركه وتاب إلى الله يقول: والله إني آتي أنام وعيوني لا تغمض، تتعب عيونه فهي يابسة، يقول: فأعود أغصبها إلى أن تنام يقول: فإذا نمت شفت الدش من داخل يقول: وأنا نائم وهناك دش من داخل، مناظر داخلية قد خزنها دش داخلي والعياذ بالله، أصبح دشاً مدشوشاً نعوذ بالله من هذه الحياة.

فالله يعطيك عيوناً -يا أخي- من أجل أن تقرأ بها كتابه، وتنظر بها مصالحك، فتخصصها للشر!! هذه نعمة -يا أخي- نعمة البصر لو سلبها الله عز وجل كيف تعيش؟ ولهذا يقول الله: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} [يس:٦٦] من يعرف الطريق الآن لو طمست أبصارنا الآن، عافانا الله جميعاً؟! نعمة السمع -يا أخي- هذه، وتصور أن ليس عندك أذن الآن، ما تسمع وتذهب البيت، كيف تعيش مع الناس؟! تقول لك امرأتك: أريد أشياء، فلا تسمع كلامها، السمع هذا نعمة من نعم الله، ولهذا الله قدمه، وهو وسيلة التعليم الأولى، وإذا لم يكن موجوداً فلن تعرف شيئاً: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً} [الأحقاف:٢٦] يمكن للإنسان الأعمى أن يتعلم؛ لأنه يسمع، لكن واحد ليس عنده سمع ما يتعلم، وإذا تعلم معلومات بسيطة تكون عن طريق الإشارة.

من أعطاك اللسان؟ لا إله إلا الله تتكلم باللسان ترجمان عما في قلبك، لو ما عندك لسان تصبح مثل الكرتون جالس في البيت لا تتكلم ولا بكلمة واحدة، لكن تحدث الناس وتتكلم معهم، تعبر عما في قلبك بلسانك {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:٨ - ٩] هاتان الشفتان من أعظم نعم الله على الإنسان، لو قطعت لما عرفت أن تتكلم كلمة واحدة، ولأصبح شكلك مفجعاً، لا إله إلا الله!! اليد الرجل الجوارح كلها هذه، فلو حاسبك ربي على أعمالك من يوم خلقت إلى الآن ووزنها مع نعمة البصر، تضيع صلاتك كلها، ويضيع صيامك، وجهادك ما قد غلقنا حتى البصر لماذا؟ لأنك عبدت الله ببصر من الله، وبجسد من الله، وبأرجل من الله، كل شيء من ربي ماذا عندك أنت؟ أصلاً ما عندك شيء، أجل: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يتغمدنا جميعاً برحمته، وأن يجعلنا من أهل جنته، وأن يعيذنا جميعاً من ناره.

هذه هيئة وقد قلت لكم: إني سأحدثكم عن هيئات للناس وهم يمشون إلى الله {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:٩٥].

الهيئة الأولى: يأتون فرادى.

الهيئة الثانية: يأتون مؤمنين أو مجرمين.