[من مآسي المسلمين: الاختلاط والربا]
السؤال
نغبط فضيلتكم بما منَّ الله به عليكم من جهد في الدعوة إلى الله، ومن قبول في التوجيه إلى الله، فجزاكم الله خيراً ونفع الله بكم، لقد بُلي الناس بمآسٍ محزنة، تبلَّد أمامها بعض الأشخاص، فما هو علاجها؟ وما هو موقف الشباب منها؟ ومن هذه المآسي: أولاً: الاختلاط الذي يكمُن في المستشفيات، وخاصة في التمريض والاستقبال، وواجهات الجمهور بشكل مخالف لشرع الله سبحانه وتعالى، فما هو موقف الإسلام؟ وما هو تصرف الشباب أمام هذا جزاكم الله خيراً؟ ثانياً: المآسي الربوية، والتي أصبح كثير من الناس يتعاملون بها، فما هو موقف الإسلام منها؟ وما هو العلاج ثبتكم الله بالحق ووفقكم إليه؟
الجواب
أولاً: شكر الله للأخ الكريم دعوته لي بالتوفيق والهداية، وأسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية والثبات.
أما المآسي التي تنتشر في هذا الزمان فهو شيء طبيعي، أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في آخر الزمان يكون القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، وقال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) ولكن عودة الناس إلى الله، واستشعارهم بالطريق الصحيح، هذا يُلزمهم ببعض التصرفات الإيجابية أمام تلك الظروف الغير مستصاغة والغير مقبولة، وهي تُبرِز مدى صدقهم مع الله، إذ أن الإنسان في الأجواء الصحيحة التي هي (١٠٠%) لا يبرز ولا نعرف إن كان صادقاً أو غير صادق، لكن إذا أُدخل الإنسان في ساحة البلاء وفي صالة الامتحان عُرف صدق إيمانه من كذب دعواه، فالذين يُبتَلون بالعمل في المستشفيات أو يضطرون إلى مراجعة المستشفيات، ويلمسون ما يجدون أو يشاهدون من الممرضات والعاملات، فهؤلاء يُفترض فيهم أن يكونوا إيجابيين، بِمَ؟ بغض أبصارهم؛ لأن الله قد ركب لك عينين، وركَّب لك على كل عين جفنين (وبابَين أوتوماتيك) أي: أنك لا تحتاج إذا أردتَ أن تغطي عينيك إلى جهد لا، بل افعل هكذا، وأغلق جفنيك مباشرة وأوتوماتيكياً وهذا من فضل الله، والله أمرك في عينيك فقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠] فإذا راجعت المستشفى، أو كنت تعمل في المستشفى فليس هناك من أحد يستطيع أن يفتح عينك على منظر لا تريده إلا أنت، ولكن بإمكانك أن تغض بصرك وتمشي.
وقد أعجبني طبيب سعودي موفق في أحد المستشفيات عندنا هناك يحمل شهادة الدكتوراه، وذلك عندما كنت مريضاً في مستشفى، حيث جاءني ومعه الممرضات بجانبه، وجلستُ أرصد حركته، -فوالله- كان يتحرك وهن ثلاث واقفات بجانبه، وما رفع نظره إليهن، كان يتكلم ويقول: قولوا كذا، واعملوا كذا، وسوُّوا كذا، وعينه أمامه، ولا يلتفت إليهن أبداً، بل عينه في الأرض، فهل تستطيع أي واحدة أن ترفع عينه؟ لكن بعض الناس مُجرد أن يرى المرأة تظل عينه مُسَمَّرة فيها، ويتكلم معها، و ( Good Morning) بالإنجليزي، أي: صباح الخير, و ( marsih) بالفرنسي، أي، شكراً، وكيف حالك؟ وهل أنتِ بخير؟ ثم يقول: ماذا نفعل؟ إنهن نساء! نقول له: نعم.
نساء؛ لكنك ما اتقيت الله في النساء، ولو أنك حينما رأيت النساء غضَّيت، لكان فعلك هو المنطق، لكن حينما ترى النساء ترفع عينك، وتقول: -والله- وضعوا لنا النساء فلا؛ لأن النساء موجودات، وعينك موجودة في رأسك، وجفنك في تصرفك، وبإمكانك أن تغض بصرك، فهذا ابتلاء.
الثانية: مسألة الربا وما يتعلق به: هذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس في آخر الزمان يأكلون الربا، ومن لم يأكله يُصبه من غباره.
والربا -كما تعرفون- موبقة عظيمة، ومن أعظم الجرائم، ومن الموبقات -والعياذ بالله-، وقد توعد الله صاحبه بالحرب، ما أذن الله بالحرب على صاحب معصية كما أذن بالحرب على صاحب الربا، وقال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه) الحديث صحيح.
وأخبر صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة بن جندب، الذي في صحيح البخاري، حديث الرؤيا الطويل: أنه انطلق إلى رجل فأتيا على رجل يسبح في نهر من دم، وآخر على طرف النهر معه حجارة، وهذا يسبح إلى أن يأتي إليه، ثم يرمي بحجر في فمه، فيفغر فاه ويلتقم الحجر، ويرجع إلى طرف النهر، ثم يأتي ويرجمه، قال: من هذا؟ قال: هذا آكل الربا.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أكلة الربا يبعثون يوم القيامة وبطونهم كالجبال.
بطن أحدهم كالجبل، مليء بجميع الأموال التي رابى بها في الدنيا، ثم أيضاً ترى الأموال التي داخل بطنه؛ لأنها شفافة، مثل البالونة، فترى السيارات، والأراضي، والعمارات، كلها داخل البطن، وهو تحتها، بطنه مثل الجبل، وهو بجسمه العادي يومئذ، أي: أن رأسه صغير، ورجليه صغيرتان، ويديه صغيرتان، لكن بطنه كبيرة كالجبل، وتصوروا إذا كان بطن أَحَدٍ كالجبل وهو تحته، فكيف سيكون حاله، لا حول ولا قوة إلا بالله! فهذه مصيبة.
فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل وألا يسير في أمر من أمور الربا، فإذا كان لديك مال، وأردتَ أن تودعه فلا تودعه في البنوك الربوية، ولكن أودعه في البنوك الإسلامية التي انتشرت -والحمد لله- وموجودة الآن، وإذا لم تجد مكاناً فضع أموالك في بيتك، قد تقول: ربما تُسرق، فنقول: لا.
الله سيحفظها -إن شاء الله-، لكن بعض الناس تجده من مجرد أن يحصل على خمسة آلاف أو عشرة آلاف يقول: سأفتح حساباً، وهذا دفتر شيكات، ويضع دفتر الشيك هنا في الجيب، وإذا سأله أحدٌ شيئاً قال: كم تريد؟ أأقطع لك شيكاً أو أعطيك نقداً، بمعنى: أنه يريد أن يكون شخصية، الله أكبر يا هذه الشخصية! لا يا أخي لا يحتاج هذا إلى شخصية، بل إن الشخصية العظيمة تكمن في الطاعة لله، من مراقبة الله تبارك وتعالى.
أما أن تنفخ نفسك بالكذب، فالنفخة هذه لن تنفعك عند الله يوم القيامة، فاتق الله، اتق الله واحذر من الوقوع في هذه المأساة -مأساة الربا- لأن الله يقول: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢٧٥]، ثم قال الله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:٢٧٦]، ويقول: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:٣٩].