للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضياع الأولاد وتشردهم]

الأثر الثاني: يأتي على الأولاد، فإنهم ينشئون في ظل هذا الخلاف نشأة سيئة، فيحصل فيها التعقيد في النفوس، ويحصل فيها مشاكل، ويفشلون في حياتهم الدراسية.

أيضاً يحصل بينهم كراهية للأم إذا كانوا يرونها تتكلم على الوالد، وكراهية للأب إذا رأوه يمد يده ويتكلم على أمهم؛ لأن الولد يقف موقفاً مذهلاً، وهو يرى أباه يضرب أمه، يقول: ما هذا؟! هذا إنسان لماذا يضربها؟! لأن الولد يحب أمه، فإذا رأى الأب يضرب أمه حصلت عنده عقده وكراهية وبغضاء لهذا الأب، وسوف ينتقم منه فيما بعد، وكذلك إذا رأى الولد الأم وهي تنال من الوالد، بأن تلعنه أو تسبه أو تشتمه أو تطول لسانها عليه؛ فإنه يبغضها، ويكرهها، وتتحول المحبة لها إلى بغض وكراهية وإلى عقد نفسية، فلا ينبغي أن يحصل هذا أمام الأولاد، كما قلنا: لا تخلو الحياة، لكن إذا وقعت مشكلة سكت الزوج وسكتت المرأة إلى أن يكون الأولاد غير موجودين في المدرسة أو في أي مكان آخر، أو في غرفة بعيدة ثم ناقشوا الخلاف الذي بينكم، أما أمام الأولاد، فلا.

بعضهم يقول: كيف أسكت وأنا غضبان، لا يعرف الشجاع إلا عند الغضب، يقول عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة) أي: الإنسان المندفع الأهوج، الذي إذا استثير أثار نفسه، لا.

(ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) هذا هو الشجاع الحقيقي، أما ذاك المندفع الذي لا يملك نفسه فليس بشجاع، هذا متهور وسوف يندم على تصرفاته، لكن الذي يملك نفسه حتى يذهب إلى الغرفة فتطفأ هذه الفتنة ويطفأ نار الغضب حتى ترعى أولادك، ومن أجل هؤلاء الأولاد حتى لا ينشئون على هذه النشأة، ولذا ترون -أيها الإخوة- الأولاد في المدرسة يلاحظ عليهم قصور في الأداء التعليمي، وكذلك الواجبات غير محلولة، والولد شارد أثناء الدرس، الولد كثير الشغب، فهناك مشرف يسمونه مرشد طلابي، يقوم بدراسة الحالات الفردية لهؤلاء الأولاد، ونتوصل بالنهاية في كثير من الحالات إلى أن السبب هو أن الحياة الزوجية غير مستقيمة في البيت، وأن هناك خلافات في البيت، الأب يضرب الأم، والأم تخاصم الأب، فينعكس هذا على أداء الولد، كيف تريد لولدك يذاكر دروسه في هذا الجو المملوء المشحون بالمشاكل؟ لكن عندما يأتي الولد من المدرسة يجد الأم تبتسم والأب يبتسم والتفاهم قائم والاحترام متبادل والعشرة طيبة، يحس الولد بالأمن ويشعر بالطمأنينة، ويشعر بالسكينة، ويمارس دراسته، ويراجع ويذاكر واجباته في جو آمن، لكنه عندما يرى الأب يضرب، وتلك تصيح، وهذا كذا، وهذا كذا، كيف يذاكر؟ يهرب إلى الشارع وبالتالي يفشل في حياته الدراسية وفي حياته العملية، ويكون السبب أنت أيها الزوج وأنت أيتها الزوجة.

الثالث من الأسباب: وهذا يترتب عليه خلافات تنتشر وتتصاعد وتنال منه بقية الأسرة، الخلاف بين الزوجين، كأن تسمع به الأم -أم الزوج- فتكره الزوجة، أو تسمع به أم الزوجة فتكره الزوج، ويسمع أبو الزوج فيتدخل، ويسمع أبو الزوجة فيتدخل أيضاً، ويسمع الأعمام والأقارب وتحصل الشحناء وتحصل المشاكل والبغضاء، وتتقاطع العلاقات وتنتشر العداوات، وربما تقوم الحروب والمطاحنات من أجل خلاف زوجي بين اثنين، لكن لو كان هناك تفاهم، لحصل التفاهم بين الأسر كلها، وربما يحصل هذا أكثر إلى أن تحصل مشاكل بين القبائل بأسباب خلاف زوجي بين رجل وامرأة، ثم تأتي الطامة الكبرى والنهاية المؤلمة التي قد تقع من أسباب وجود الخلافات الزوجية وهي: الطلاق.

الطلاق الذي نعرف آثاره على الأسر، الأسر تتحطم، والأبناء يشردون، ويحرمون من نعمة الحنان بالنسبة للأم ومن شفقة الأب، إن جلسوا مع أبيهم ضاعوا، وإن ذهبوا مع أمهم جاعوا.

وأيضاً المرأة بعد أن تطلق، المعروف طبعاً في المجتمع أن الناس يعيبون عليها، بعد أن كانت في بيت زوجها ملكة، تصبح في بيت أهلها خادمة، وبعد أن كانت فلانة، قالوا: فلانة المطلقة أو الأرملة.

وأيضاً الزوج إذا جاء يتزوج يُعرَض عنه، وكلما أراد أن يخطب قالوا له: قد طلق زوجته، وإنه رجل مطلاق، فلا أحد يقبله، إلا امرأة طائحة ربما ما امتدت لها يد، فتقبله ولكنها لا تسعده ولا تلبي احتياجه، وبالتالي تحصل المشاكل الكثيرة.

وحتى لا تحصل هذه الآثار، فإننا نوصي أنفسنا ونوصي إخواننا: أولاً: بالقيام بالحقوق التي أوجبها الله للطرف الآخر.

ثانياً: التعامل على ضوء الكتاب والسنة.

ثالثاً: الصبر والاستيعاب.

رابعاً: العدل والإنصاف، والنظر إلى ما يحبب الرجل من المرأة، كما وجه ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي آخر) عليك أن تنظر بعين العدل، فإذا كرهت منها شيئاً فاعلم أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، لا توجد امرأة في الدنيا مستقيمة كالمسطرة، هل رأيت ضلعاً مثل المسطرة، انظر في الأضلاع كلها لا يوجد ضلع إلا وفيه عوج، والمرأة مخلوقة من هذا الضلع، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (استمتعوا بهن على عوجهن؛ فإنك إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت به استمتعت به على عوج) أما أن تريد واحدة (١٠٠%) مثل المسطرة فهذه ليست موجودة في الدنيا؛ لأنك أنت غير مستقيم، وكذلك المرأة لن تجدها مستقيمة (١٠٠%)، إن أردتها فاطلبها في الجنة.

أسأل الله أن يرزقنا وإياكم النعيم الذي وعدنا الله به، ومن ضمن النعيم الحور العين {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:٧٢].

أسأل الله تبارك وتعالى أن يديم علينا وعليكم نعمة الأمن والإيمان والإسلام، والطمأنينة في الأوطان، وفي المشاكل، وفي الأولاد والزوجات، وأن يوفقنا جميعاً لكل خير، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا إلى خدمة هذا الدين، والدعوة إليه ومناصرته إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلام الشيخ حامد: أثابكم الله وجزاكم الله خيراً، لا شك أن الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله، ولكنه هو العلاج الأخير، فأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعاً للتعاون على البر والتقوى، والتناصح والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، على وجه العموم وعلى وجه الخصوص في البيوت، وأن يجعلنا جميعاً مِمن أراد الله بهم خيراً إنه على ذلك قدير.

الحقيقة لعل الإقامة أوشكت، ونود أن يشاركنا: الدكتور الشيخ عبد الرحمن السديس حفظه الله، فليتفضل ليشاركنا ويتحفنا جزاه الله خيراً.