للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قضاء الوقت في خدمة الزوج والأولاد]

أول شيء: عملية التدبير والتنظيم، لا بد أن تكون المرأة منظمة؛ لأن النظام ما دخل في شيء إلا زانه، والفوضوية والارتجال والعبث ما كان في شيء إلا أفسده، ألا ترون -مثلاً- اليوم الدراسي في المدارس، ألا ينظم هذا اليوم بواسطة جدول يسمونه جدول الدروس؟ يؤخذ في أول العام المنهج المقرر على المدرسة ويوزع هذا المنهج على أشهر السنة، ويعطى هذا المنهج للمدرسة بحيث توزع البرنامج على ضوء هذا المنهج، ويقوم المدير بوضع جدول يومي يوزعه على المدرسين والمدرسات، وتقوم كل مدرسة بأخذ حصصها الأسبوعية، ثم تقوم بالليل لتحضير هذه الحصص والالتزام بهذه الحصص وقضائها مع الطلاب والطالبات هذا هو الذي يصير الآن، وبهذا التنظيم تقوم العملية التربوية قياماً صحيحاً، لكن لو ترك التعليم فوضوياً وجاءت المديرة وقالت: كل مدرسة تأخذ لها مجموعة من الطلاب وتدرسهم، ودخلت كل مدرسة وأخذت طالباً أو طالبين أو ثلاثة في عشة أو دار وجلست معهم قليلاً وأخرجتهم، هل يمكن أن يقوم تعليم بهذه الفوضى؟! لا.

كذلك البيوت، البيوت هي نماذج من المدارس، البيت مدرسة، المديرة فيه هي الزوجة، والمدير العام هو الزوج، والطلاب هم الأولاد، لا بد من وضع نظام لهذا البيت، يقرر الزوج والزوجة متى ينام الأولاد؟ أيام العطل يمكن أن يتأخر النوم إلى الساعة الحادية عشرة، وأيام العام الدراسي يكون النوم من بعد صلاة العشاء مباشرة.

وتتغير بعد ذلك مواعيد الطعام؛ الطعام كان يتناول بعد العشاء في أيام العطل، لكن في يوم الدراسة يكون العشاء بعد المغرب، والغداء بعد الظهر، والفطور بدل أن كان في الساعة التاسعة والنصف أو العاشرة في أيام العطلة يكون بعد الفجر في أيام الدراسة، هذا برنامج لا بد أن نلتزم به إذا عمل بهذا التنظيم فإنه يعين المرأة على أن تقضي أوقاتها بانتظام، لكن بغير هذا البرنامج لا يمكن أن يستقيم أمر المرأة.

هذا الكلام الآن على مجالات قضاء الوقت؛ كيف تقضي المرأة وقتها؟ يجب أن تشعر المرأة على أنه يجب عليها أن تقضي معظم الوقت في خدمة زوجها وأولادها، ولا بد أن نكون صرحاء مع أخواتنا في الله، فالزوج هو هبة من الله ونعمة للمرأة، وليس بغريب أن تتزوج المرأة، لكن الصعب أن تحتفظ بهذا الزوج، يعني: قد تتزوج؛ لأن الرجل لابد أن يتزوج وهي لابد أن تتزوج، لكن يبدو ويبرز دور المرأة باحتفاظها بزوجها، حينما تنجح في إدارة هذا الزوج والاحتفاظ به والاحتواء له هذه هي الزوجة الناجحة، وكم سمعنا من قضايات كثيرة في فشل الزوجات، يتزوجون ويفرحون ويقضون شهر العسل وبعد شهرين أو ثلاثة لا نعلم إلا والصك في يد الزوج على أهلها: هذه امرأة فاشلة! تزوجت ولعبت وانبسطت في القصر وفي فندق فخم وفي حفلات وفي دنيا وبعد ذلك رماها، ثم إذا جاءها عريس وعلم أنها مطلقة يقول: ما طلقت إلا لأن فيها عيباً.

أريد امرأة ما طلقت، وتبقى مركونة عند أهلها! وربما يمر قطار الحياة ولم تتزوج بسبب فشلها في إدارة زوجها.

الزوج نعمة وعلى المرأة أن يكون من أهم واجباتها كيف تستبقي هذه النعمة؟ واستبقاء هذه النعمة يسير جداً، يقول أحد العلماء التربويين: الرجل كالطفل.

فالطفل عندما تضربه على وجهه وبعد ذلك تضحك له وتقول: خذ قطعة الحلاوة، يأتي إليك وينسى الصفعة، كذلك الرجل؛ الرجل يريد بسمة من المرأة، يريد كلمة طيبة ومظهراً جميلاً، ويريد طاعة من المرأة ونوعاً من الحنان، إذا عاد الزوج من عمله وهو متعب ومرهق في غاية التعب والإعياء وقابلته المرأة على الباب وقد تجملت وتزينت وتعطرت، وبمجرد أن فتحت الباب قالت: حياك الله، يا ألف مرحباً، طولت علينا، سلامات، لماذا أنت متغير اليوم، إن شاء الله لا توجد مشاكل عندك في العمل، وتمد يدها على البشت إن كان يلبس بشتاً وتخلعه، وإذا كان عسكرياً يلبس بدلة تخلع البدلة، وإذا كان مدنياً تخلع الكوت أو الغترة من على رأسه، وبعد ذلك لا مانع أن تمد يدها على قدمه فتخلع الشراب من رجله، ليس هذا إهانة لها إنه عزة ورفعة لها؛ لأنها في هذا كما تقول أحد المؤمنات: [كوني له أمة -يعني: قينة- يكن لك عبداً، وكوني له مهاداً يكن لك عماداً] فأنت عندما تخدمينه هذه الخدمة تستولين عليه، تجذبين قلبه، تستولين على مشاعره بقليل من الحب، ضعي يدك على كتفه، لا مانع من ضمه، لا مانع من تقبيله وهو آت من العمل، بعد ذلك قضية المداعبة والتدليك للرجل؛ لأن الرجل يحتاج إلى هذا، هذا الأمر مرفوض عند المرأة، كثير من النساء لا تمارسه ولا تشعر بأنه يجب عليها، هذا مهم عند الرجل؛ لأن الرجل يقضي جهداً بدنياً وهو واقف في فصله أو واقف في المحل التجاري وهي جالسة، فإذا جاء وضعت يدها على قدمه أو على يده أو على ظهره أو على جزء من جسمه ودلكته وغمدته وأعادت العضلات إلى أماكنها يشعر براحة، هذا لا يكلفها شيئاً، لكن هل تمارس المرأة هذا الجهد عند الرجل؟ كثير من النساء لا تمارسه بل تنتظر منه أنه يدلكها، أو غربت وجهها وأغلقت الباب عليه -والعياذ بالله- وهذا من أسوأ ما يمكن عند المرأة.

فخدمة المرأة لزوجها خدمة شخصية لا نريد خدمة القدور، بعض النساء طاهية ما شاء الله غسالة من أحسن ما يمكن، تنظف البيت حتى تجعله يلمع، لكن زوجها يقول: أنا ماذا يهمني من نظافة الجدار أنا يهمني العمل الخاص بي، أنا أسعد بنظافة الجدار لكن لا أسعد به لوحده؛ أسعد بنظافة الجدار وأسعد بنظافة الإناء وأسعد بنظافة الأولاد، ولكن أريد أن أسعد- كاملاً- أيضاً بتقديم ما يخصني من الخدمة التي أتمنى أن أجدها من زوجتي فأسعد بها سعادة ليس بعدها شقاء، وهذا أول مجال من مجالات قضاء الوقت.

خدمة الأولاد، وهذه الخدمة يجب أن تتقرب بها المرأة إلى الله، لا تسند قضية الخدمة على المربية، فلا مانع أن تقوم هي لتغسل أولادها بيدها، ولا مانع أن تغير ملابسهم، وتضع لهم الحفاظات، وتحملهم، وتتعهد أنوفهم بالتنظيف وتتعهد ملابسهم وتتعهد لعبهم، وتجلس معهم في حديقة المنزل حين يلعبون، وتصعد بهم في السطح، وتخرج معهم في البلكونة إذا كانت ساترة، هذا شيء مهم، أما أن تنفي هذه المسئوليات إلى الخادمة: انزلي معهم، اطلعي معهم، اغسليهم، فينشأ في نفوس الأولاد تصور عن هذه الأم أنها ليست أمهم وأن الأم هي الخادمة، ولهذا يتعلقون بالخادمات.

بعض الأطفال الآن يتعلق بالخادمة أكثر مما يتعلق بأمه، وقد سمعنا عن الطفل الذي مات؛ لأن الخادمة سافرت، خادمة كانت تعمل في البيت وانتهت السنتان وسافرت إلى بلدها، والولد الصغير يحسبها أمه، فلما سافرت لم يعد يأكل ولا يشرب ويبكي ليل نهار حتى فارق الحياة ومات، دقه الحزن في قلبه حتى مات؛ لأنه فقد أمه.

يجب ألا تعتمدي على الخادمة إلا في أشياء ثانوية بعيدة: نظافة المنزل، تغسيل عمومي، إنما الولد يجب أن يكون في حجرك أنت، وينام في حضنك أنت وبجوارك أنت، وأنت التي تحملينه، وأنت التي تأخذينه، وأنت التي تغيرين له، وأنت التي تلبسينه، هذا ولدك، فإذا شعر بهذا منك أعطاك حباً وأعطيته أنت حناناً وشعر بالجميل في المستقبل، أما أن تسندي هذه الأعمال للخادمة فما هو دورك؟ للأزياء والمرايا وللموديلات وللشوارع وللسهر، هذا دور المرأة الفارغة التي ليس لها عند الله وزن وليس لها عند الله عز وجل كيان.