يقول البراء بن عازب:(خرجنا في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد) أي: لم يلحد بعد؛ لأن اللحد شق داخل الشق ولا أدري هل يصلح عندكم في جدة لحود أم لا فالذي أعلمه أنه يحفر حفرة بمقاس الإنسان (متر ونصف) في (نصف متر) أو أكثر ثم ينزلون متراً واحداً ثم يأتون به من جهة القبلة ويدخلونه في مكان ضيق، ثم يدفنونه في ذلك المكان، أي: يضعه أحد الناس ما كأني أنا ولا أنتم سنوضع في هذا المكان، تصور -يا أخي- وضعك إذا وضعت في ذلك المكان، أنت الآن إذا أتيت تنام في غرفة النوم سرير النوم عندك (٢م×٢،٤٠م) وهناك أسرة (٣×٣م) ورأيت بعيني (٤×٥م) هناك غرفة نوم (١٠×١٠م) فقلت للزوج صاحب العمارة: ماذا تريد من هذه؟ السرير عشرون متراً من ثمانين متراً ما هذا هل تريد أن تفعل مطاردة أنت والمرأة أم مسابقة في الغرفة؟ قال: أريد أن أوسع خاطري، قلت: والله لا تتوسع -يا أخي- إلا بذكر الله، والله لو أنك تعيش على حصير وقلبك ممتلئ بالإيمان فإنك في راحة، ووالله لو أنك تنام في ملعب كرة وتنبطح من طرفه إلى طرفه وقلبك ليس فيه إيمان ولا دين فإنك في عذاب، لماذا؟ لأن السعادة والروحانية والإيمان لا ينبع من الأشياء الخارجية وإنما ينبع من القلب الذي ينبع منه السعادة، فإذا كان القلب فيه سعادة فكل شيء جيد، وإذا كان فيه عذاب فكل شيء قبيح.
انظروا إلى الغرب، لما أقفرت قلوبهم وأرواحهم عن الدين كيف حياتهم تعيسة، رغم أنهم في الجانب المادي في أعلى درجات المادة، لكن هل حققت لهم المادة سعادة؟ لا.
أسوأ عيش هو عيشهم؛ لأنه عيش الكلاب، فلا ينامون إلا بالحبوب المخدرة، وأمراض نفسية، وجنون مسرحي وتمثيلي وكروي -والعياذ بالله- وتفكك اجتماعي، وانتحار، فكل شخص يستعمل له حبوباً ويرمي نفسه من جبل، لماذا؟ لكي يتخلص من الحياة، فإنها تضغط على نفوسهم حتى تفجرها من الداخل لماذا؟ لأنه لا يوجد دين، فأنت الآن إذا أتيت تنام على غرفتك (٢×٢٠ =٤٠م) ما شاء الله تتقلب من الطرف إلى الطرف، لماذا تتوسع؟ حسناً في تلك الحفرة كيف تتوسع؟ كيف تنقلب؟ كيف تكف رجلك في ذلك المكان؟ لا إله إلا الله! قال:(ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة وجلسنا حوله، وكأن على رءوسنا الطير) وهكذا شأن المؤمنين إذا جلسوا في المقابر يعتبرون وينظرون ويتفكرون وينزجرون ويتوبون ويبكون، لكن في بعض المقابر -وقد رأيت هذا- على المقبرة يبيعون ويشترون، يبيعون الأراضي في المقبرة، بل جئت في يوم من الأيام وأنا مار في أبها على المقبرة وإذا بشخص من الحفارة جالس بعيداً عن القبر يدخن، يدخن داخل المقبرة!! فأخذته قلت: تعال -يا أخي- بالله هل تسكن في هذا المكان؟ قال: نعم.
قلت: كيف تدخن؟ قال: أنا كنت أحفر وتعبت، يقول: لا أقدر أن أواصل الحفر إلا إذا دخنت، قلت: إذا سكنت هناك وجاءك منكر ونكير يسألانك ماذا تقول لهما؟ تقول: أريد (دخاناً) لا أجيب الآن، ائتوا لي بدخان، سيعطونك دخان لكنه دخان في جهنم {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ}[الدخان:١٠] أين عقلك -يا أخي-؟ يقال: إن رجلاً من الذين يشربون الشيشة ويسمونها المعسل، رجل صالح ولكنه مبتلى بهذه الشيشة، فرأى في المنام أنه مات وأن الله أدخله الجنة وأعطاه في الجنة كل شيء، لكنه لم يجد شيشة ولا معسلاً، فقال: أريد شيشة يا ربي! قال: لا توجد شيشة، ولا تصلح الشيشة إلا بنار، وليس في الجنة نار، قال: لابد من شيشة، فلا أنبسط إلا بالشيشة، قال: افتح الغرفة هذه ففتح النافذة وأدخل يده يريد أن يأخذ رأساً ويريد حجراً لكي يضعها وينبسط فاحترقت يده في المنام، وحين استيقظ في الصباح إذا بيده محروقة سوداء كأنها فحمة.
هذه القصة في صحتها نظر لكنها تقال، ولا نجزم بصحتها والعهدة على الناقل، المهم عندما تجلس على القبر فلا تفكر إلا فيه، فهي لحظة اعتبار يمكن أن يتحدد مصيرك في هذه الجلسة.