للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإعراض أحد أنواع الكفر]

أيها الإخوة: الإعراض عن الدين قضية صعبة في حياة الإنسان، بل عده العلماء والمحققون من أهل السنة والجماعة ضمن أنواع الكفر الخمسة، الكفر هو: الجحود، وقد قسمه العلماء إلى خمسة أقسام: القسم الأول: كفر التكذيب.

القسم الثاني: كفر الشك.

القسم الثالث: كفر الجحود.

القسم الرابع: كفر الإباء والاستكبار.

القسم الخامس: كفر الإعراض.

وقالوا عن كفر الإعراض هو: أن يعرض عن الدين، فلا يتعلمه، ولا يهمه أمره، معرض، قد يصل به إعراضه ورفضه إلى أن يكفر بالله وهو لا يشعر، والله عز وجل سماه: ظالماً، بل لا أظلم منه! بصيغة أفعل التفضيل: {وَمَنْ أَظْلَمُ} [الكهف:٥٧] أي: لا أظْلَمُ {مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} [الكهف:٥٧] أَكِنَّة أي: أغطية، مغطاة {أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الكهف:٥٧] أي: لئلا يفقهوا دين الله {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} [الكهف:٥٧] أي: مخرومة لا تسمع {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} [الكهف:٥٧].

وقال عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة:٢٢].

لا أظْلَم ممن يُذَكَّر بالله ويعرض، هذا نوع من الاستخفاف، وعدم الاهتمام، كيف تعرض عن الله؟! لو قام المذكر وقال: أيها الناس! أنا سألقي عليكم موعظة؛ والذي يجلس إلى آخرها سوف أعطيه (مائة ريال) هل سيقوم أحد؟! لا.

بل الكل سيزحف ويقرب من أجل أن يصل إلى الصف الأول ليستلم (المائة) ولن يقوم أحد، حتى ولو كان عنده عمل فإنه يقول: أقضيه فيما بعد، والذي ولده بجانبه يريد أن يقوم فإنه يجلسه، وإذا قال له: أريد أن أقوم، فإنه يقول له: لا.

اجلس إنها (مائة ريال).

لكنك إذا أقبلت على الله وجلست في بيوت الله أتأتيك (مائة ريال)؟! لا.

ما يأتيك شيء من هذا، بل تأتيك رحمة، ويأتيك غفران، وذكر عند الرحمن، هل هناك أعظم من أن يذكرك الله فيمن عنده؟! يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) هل يوجد أعظم من هذه الأربع في الدنيا؛ أن تغشاك الرحمة، وأن تنزل على قلبك السكينة، وأن يباهي بك الله عند الملائكة، وأن تحفك الملائكة؟! لا يوجد أعظم من هذا؛ لكن من الذي يشعر بهذا؟! الذي قلبه حي.

أما المعرض فلا يحس، لماذا يعرض أصلاً؟! لأنه لا يهمه، (مَن جَهِل شيئاً عاداه) لا يعرف {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس:٣٩] فلما كذبوا بهذا أعرضوا عنه، يقول الله: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص:٥٥].

فهؤلاء إذا سمعوا الذكر أعرضوا عنه {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} [المدثر:٥٠] لا يريدونه؛ لأنهم يعيشون بعقلية الحمير، التي لا يهمها إلا الشهوات، فلو أتيت تذكِّر قطيعاً من الحمير وقمت تقرأ القرآن، ما رأيك؟! أيسمع الحمار أم يمشي؟! الحمار لا يعقل، ولا يدري مَن تُذَكِّر، وإذا رأى أنثى رفعَ مسامِعَه وجرى وراءها، وكذلك إذا رأى علفاً همه العَلَف والشهواتٌ؛ لكنه لا يستمع إلى الذكر، فما الفرق بين الحمار البشري المُعْرِض عن ذكر الله، وبين الحيوان الذي لا يسمع ذكر الله؟! لا شيء، بل ذاك أضل؛ لأنه يعرف ويُعْرِض، أما هذا فلا يعقل.