[الصنف الثالث: من ضيعوا رمضان بالإكثار من الشراب والطعام]
وهم عباد الشهوات والبطون، الذين يفرحون في رمضان بسبب أنه موسم للأكلات وتعدد الأصناف من الطعام، فهذا يقول: أتاك شهر الخير، فيقول: الحمد لله دخل شهر البركات، شهر السنبوسة والشربة والكنافة والكبسة، ويعدد لك أشهى وألذ المأكولات.
فالله عز وجل شرعه من أجل أن نصوم ونجوع ونعطش، لكي نحس بأن هناك من الناس من هو جائع طوال العام، ومساكين طوال العام، فنأخذ من أقواتنا ونشاركهم، أما أن نثخن بطوننا ونملأها بما لذَّ وطاب من أنواع الطعام فلا.
فهؤلاء هم الشهوانيون المضيعون، الذين لم يفهموا من رمضان إلا أنه شهر أكل وشرب، فمن أول رمضان وهو يُحَمِّل السيارة بالمقاضي، وكذلك في بقية الشهر، فتراه يأخذ من كل أصناف الطعام، وتجده لوحده أو مع امرأته وطفلين أو ثلاثة، لكنه جشع وطمع، فإذا أنزلت على السفرة تجدها عشرين صنفاً أو تزيد، ولو أكل صنفين لأشبعاه؛ لكن جشع وطمع -والعياذ بالله-، فيأكل من كل نوع جزءاً بسيطاً جداً، ثم يأخذ الباقي ويرمي به إلى القمامة؛ لماذا هذا؟ لأنه لا توجد مراعاة لنعم الله عز وجل.
فهؤلاء مضيعون؛ لأنهم لم يعرفوا حكمة الصيام، وأنه من أجل الإكرام والإنفاق والجود على الفقراء والمساكين، يقول أحد الصحابة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان) فهو يجود بما هو موجود تقول عائشة: (يدخل الهلال ثم الهلال ثم الهلال -ثلاثة أهلة- ولا يوقد في بيت آل محمد نار).
تصور -أخي الكريم- أن الغاز ينتهي فكيف سيكون حالك؟ فإذا دخلت على المرأة تقول لك: عجِّل أسرع ليس عندنا غاز، فتقول لها: سآخذ خبزاً من الفرن، فتقول: لا يصلح إلا بإدام ولحم، ولا يمكن أبداً أن نجلس ليلة بدون نار، فهل يستطيع بيت أن يجلس يوماً بدون غاز في عصرنا هذا؟ عزاء ومأتم ومصيبة، أما بيت النبوة فيمر شهران ولا يوقد فيها نار؛ فقال عبد الله بن الزبير: (يا أماه! فما طعامكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء) والله لقد ذهبوا بلذة الحياة رضي الله عنهم وأرضاهم، ونحن نشعر أن عندنا لذة الحياة؛ فليست لذة الحياة بالأكلات والملابس والمباني، بل لذة الحياة في العبادة والقربة والمناجاة لله تبارك وتعالى.
كثير من النساء ضيعت عمرها في الطبخ، بعض النساء من أول رمضان إلى آخره لا تقرأ صفحة أو صفحتين من القرآن الكريم؛ لأنها مشغولة، بل من أذان الظهر وهي تقوم كأنها مكينة تدور في المطبخ، وهي مستنفرة كافة أفراد البيت استنفاراً عاماً؛ لكي تطبخ الفطور، وإذا دخلت المطبخ تجد النيران مشتعلة في كل اتجاه، فالموقد له عشرة عيون، وكل عين عليها قدر ينضج، والرجل يدخل يساعدها وكذلك البنات وهي تشرف عليهن.
وهذا كله من أجل ماذا؟ من أجل بطن تملؤها سبع تمرات، وهي من الظهر إلى المغرب تطبخ، ومن المغرب إلى الساعة الحادية عشرة تأكل، ومن الساعة الحادية عشرة إلى الساعة الرابعة تتمشى في الأسواق، ومن الساعة الخامسة إلى الساعة الثانية عشرة ظهراً وهي نائمة، فمتى تعبد الله؟ ومتى تقرأ القرآن؟ فلا يوجد وقت للقراءة، والتي تأتي منهن أحياناً للصلاة، فبعض النساء تأتي إلى الصلاة في المساجد فهذه موفقة لكن بشرط: أن يكون عملها خالصاً لله ولا تقصد به رياءً؛ لأن بعض النساء تقول: صليت البارحة بعد الشيخ فلان، فأفضل صلاة المرأة في بيتها، لكن نقول: تصلي في المسجد؛ لكي تستطيع أن تنشط للصلاة، لكن التي تستطيع أن تصلي في بيتها وتقرأ القرآن فهذا أفضل لها من المسجد، أما التي تخاف أن تجلس في البيت فيأتيها الكسل، نقول لها: صلي في المسجد، بشروط: أولاً: أن يكون العمل خالصاً لوجه الله.
ثانياً: أن تأتي بثياب لا يوجد فيها زينة.
ثالثاً: أن تكوني متحجبة من رأسك إلى قدمك مثل الغراب الأسود.
رابعاً: أن تأتي وتجلسي في طرف المسجد، فلا تتكلمي ولا تعلم بك حتى النساء، ثم تخرجي بعد ذلك إلى سيارتك فلا يعرفك أحد، لكن بعضهن تأتي بثلاجة القهوة في يدها لكي تنبسط، وبعضهن تأتي بالمكسرات، ويأتي بها السائق الأجنبي وتمارس عبادة عن طريق معصية، فلا ينبغي هذا، ثم تأتي وتسأل عن الفطور وعن أنواع الفطور، وتقول لأختها: أنا عملت أشياء جديدة، ثم تريها طبق الطبخ، وإذا بها تعمل طبق الفطور في المسجد، فأغرت الناس وغررت على المسلمات، فأين الدين؟ فهذا يدخل ضمن المضيعين الذين ضيعوا رمضان في بطونهم، وسينتهي رمضان واسألوا أهل البطون في آخر رمضان ماذا بقي معكم من الأكلات؟ فلن تبقى ولا حبة، فكلها ذهبت إلى المجاري.